التدوين البصري شاهد كبير من شواهد الماضي والحاضر، كما أنه منصَّة تسجيل استباقي لمفردات الأيام، وفضاءاتها المفتوحة على التطور والنمو، وهذا ما يمكن استخلاصه من المأثرة التوثيقية البصرية التاريخية التي قامت بها مجلة «العربي» الكويتية ذات يوم بعيد، عندما اعتنت بالتصوير الفوتوغرافي للشواهد والمشاهد.. للمدن والحواضر.. للمساحات البرية والبحرية المفتوحة على النماء.
باسترجاع وامض لما سجلته عدسات المصورين منذ عقود خلت، نتوقَّف ملياً أمام الموروث المشهدي الفوتوغرافي، ونتابع ذلك الانسياب الناعم لتضاريس المكان والزمان، لنقرأ الإشارات في تموْضعها الجميل.. عندما يتناغم الماضي مع الحاضر، ليكونا شاهدين على مستقبل واضح المعالم في زهوه وتسامقه، فالصور الفوتوغرافية القادمة من الماضي تُمثل وثيقة تسجيلية رفيعة للموروث التراثي والمعماري، وأنماط الحياة الفولكلورية، وثقافة العمل المتواشجة مع الآماد المفتوحة للبراري والبحار، والتحديات المُكاشِفة لسؤال المستقبل وضروراته، وحالة التوثُّب المُتطلِّع لمجتمع جديد.
الصورة الفوتوغرافية ليست مجرد تسجيل إجرائي لمظاهر ومرئيات عابرة، بل إنها شهادة إبحار نحو المدى.. المقرون بطاقة الأمل والعمل معاً. إنها شهادة مستقبلية تمنحنا الفرصة لاستقراء المكان والزمان النابعين من الجغرافيا التاريخية العتيدة، وحكمة الأسلاف الكبار.. من الذين أمسكوا بجمرة الاستحقاق، وأدركوا معنى الحاكمية الرشيدة، ورصفوا الطريق لمشهد رفيع في توازنه، وعطائه، وثرائه المعرفي الثقافي.
ما تقدمه الصورة الفوتوغرافية ترميز مُكثف لشواهد ومشاهد تتخطَّى المرئي، لتبقى في ذاكرة الرائين الصادرين عن احتياطات الذائقة والمعرفة.
إنها إشارات عابرة لسحب مسافرة .. اكتنزت بالمياه، وفاضت بالَّلوامع والبوارق، حتى جاء الغيث المدرار، ليملأ الأرض الرحبة مروجاً وزهوراً.. تصدح فيها الطيور الخضراء، وتحلق بين جنباتها النوارس البِيض، وينعم فيها الإنسان بوافر النعمة والأمن والأمان.
Omaraziz105@gmail.com