ترددتُ كثيرا في مواصلة الكتابة في اتجاه اللقاء المشترك وما سببه من عناء البقاء في الساحات، وسيلان الدماء في مختلف المحافظات، ومقتل الشهداء طيلة خمسة أشهر، وكان ترددي لعدة أسباب أهمها أني تعرضت لهجوم شرس من قبل العديد من قياداتهم الوسطية وقواعدهم بطريقة لا أخلاقية ولاتمت إلى تقبل الآخر بصلة، ولابحرية الرأي والرأي الآخر، ويكفيني أنني اكتب ماأنا مقتنعٌ به وماأراه صحيحا وفي خدمة اليمن أولاً وأخيراً..
اللقاء المشترك اثبت عجزه التام عن قيادة البلاد أو المشاركة في ذلك، سواء من خلال تجربة الائتلافات التي خاضها مع الحزب الحاكم منذ العام 1990م وحتى الطلاق بينهما، أو العمل السياسي الايجابي في هذه الأزمة، وسيكون اعجز عن قيادة البلاد خلال المرحلة القادمة، وبالتالي لابد لنا كشعب وشباب في ساحات الحرية والتغيير أن نتخذ موقفا ايجابيا منه ونرفض أن يكون وصيا على قرارنا الآن، ونرفض وصايته علينا في المستقبل..
المشترك اليوم يتعرض لضغوط كبيرة جدا ويتصور انه لن يستطيع أن يواجه الضغوط الإقليمية والدولية لعدة أسباب أهمها الاختلاف القائم في تشكيلته الداخلية وتجاذباته السياسية النابعة من ولاءات أيديولوجية أو مصلحية مابين السعودية وإيران وواشنطن وبريطانيا وأوروبا وغيرها من عواصم الشرق والغرب، إضافة إلى أنهم لايملكون الشجاعة والثقة بالنفس لتحمل مسؤوليتهم السياسية المفترضة عليهم هذه الأيام، سواءً بالتحرك نحو الدول الكبرى التي تسعى لان يكون لها دور مختلف عن القطب العالمي الأوحد، أو الاتجاه نحو الدول الإقليمية التي يمكن أن تساهم في حل المشاكل الإنسانية القائمة في البلاد وتقديم نفسها لهذه القوى والدول الإقليمية والدولية على أنها الممثل الشرعي للشعب اليمني كما فعلت وتفعل معارضة سوريا وليبيا هذه الأيام..
لا اعتقد أن هذا التكتل السياسي الهش وهو بهذا الضعف وسوء الإدارة والتركيب وتنافر الايدولوجيات والتوجهات السياسية والمصالح المتشابكة، هل يُعول عليه قيادة مستقبل البلاد إلى بر الأمان، وتحقيق الأمن والاستقرار والدولة المدنية الحديثة، والقيام بما لم يستطعه نظام الرئيس علي عبدالله صالح.. لاأعتقد ذلك ابدا..
طبعا هناك من يربط الثورة بالمشترك ويجعلهما واحدا لاينفكان عن بعضهما البعض، فإذا ذكرت المشترك فهو الثورة والعكس صحيح، وهذا خطأ كبير جدا يقع فيه ضعاف النفوس وصغار الأحلام والعقول من الشباب سواءً في الساحات أو من يمتهنون التدوين الاليكتروني أو حتى الكتابة الصحفية، وبالتالي لابد أن نعمل أولاً على تحرير العقول، بالإيمان أولا وأخيرا بان الله سبحانه وتعالى خلق لنا عقولا نفكر بها ونرى طريق الخير والشر (وهديناه النجدين)، ونعرف الصالح من الطالح، وان عقولنا ليست قاصرة وليست معطلة أو بها عطب يجعلها تعمل بكفاءة اقل من عقول المشترك أو أفهامهم لما يدور حولنا..
فإذا اقتنعنا بهذا حينها سنتحرر من سلطة الكهنوت والنظرة القاصرة وسنرفض الإيمان المطلق بقدرتهم على التفكير والانبهار بأنهم يعرفون ما لانعرف ويفكرون بما لايخطر لنا على بال، وحينها سنتمرد على الطاعة العمياء لرئيس الحزب أو الشيخ أو التنظيم وسنناقشهم ونعمل معاً لاتبعاً..!؟
أرى من وجهة نظري أن اللقاء المشترك هو السبب الرئيس في تأخر نجاح الثورة، وتخلفها عن مثيلاتها في تونس ومصر، وانه لو لاتصديه للتفاوض والحوار وتقديم نفسه على انه يمثل الساحات لما استطاع النظام أن يصمد كل هذا الوقت..
اليوم.. رؤساء النظام جميعا خارج التغطية والمعادلة السياسية القائمة وخارج الفعل الواقعي من حيث التنظيم والتخطيط والتنفيذ أو توجيه الأوامر (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونوابه الأقوياء ورئيس البرلمان ورئيس الشورى) كلهم في العاصمة السعودية الرياض، ومع ذلك فان النظام لايزال يعمل بكفاءة متناهية وكأن شيئا لم يكن، وهذا إما أن يكون لقوة النظام ومؤسساته عكس مانقول دائما بأن النظام لم يبن مؤسسات الدولة وان الرئيس علي عبدالله صالح هو من يفعل كل شيء، وإما أن من يدير البلاد هو مجلس عائلي غير مرئي ولا محسوس وعددهم لايزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة وهذا أيضا دليل على أن المعارضة اليمنية (المشترك) فاشلة ولم تستطع أن تقدم نفسها كبديل مقبول لدى المجتمع الدولي، ولم تتقدم بأي مبادرة أو تقوم بأي عمل سياسي من شانه التقدم نحو انتقال السلطة، وأنها لازالت تتمترس بالشباب إلى آخر لحظة وآخرها (جمعة رفض الوصاية) التي اعتبرها شخصيا ورقة ضغط يشهرها المشترك في وجه السعودية أولا لتحقيق المزيد من المكاسب التفاوضية، بينما هم ليسوا بحاجة إلا إلى قلب قوي وفعل سياسي حاسم..
المشترك يؤمن يقينا الآن انه لامجال لنجاح هذه الثورة وانه أمام قوتين متكافئتين كما قال الدكتور المتوكل (احد قادة المشترك) وبالتالي لابد من الانصياع لصوت العقل والحكمة والرضوخ للحوار والتفاوض، وطبعا هم من سيفاوضون ومن سيحاورون.
وإضافة إلى ذلك قال الدكتور المتوكل انه يمقت الشباب الذين يطالبون بالانتقام.!!، وهذه لهجة جديدة تعني انه لامجال للمطالبة بمحاكمة رموز النظام أو حبسهم وشنقهم تعزيرا عما فعلوه بالشعب اليمني كما كانوا يقولون خلال الأشهر الأولى للثورة، وبالتالي وبناءً على هذا فلا نستبعد أن يعلن خلال الأيام القليلة الماضية العديد من الإشارات السياسية المفاجئة مثل تشكيل لجان حوار من المشترك والمؤتمر وتشكيل حكومة ائتلاف بينهما وتقاسم النظام السياسي القادم لتسيير البلاد إلى عام 2013م (انتهاء الفترة الانتخابية للرئيس)، وتشكيل لجنة انتخابات من الطرفين للإعداد للانتخابات القادمة في ذات التاريخ والذي سيأتي وقد لملم النظام والحزب الحاكم نفسه واستطاع أن يُعيد ترتيب أوراقه واختيار شخصية سياسية مقبولة للترشح للرئاسة تحظى بالدعم الإقليمي والدولي وتنجح بقدرة قادر وفاعل محلي وإقليمي ودولي وتقود البلاد بنفس النظام السابق وكوادره (بسبب ضعف المشترك)..!!
ليس بيني وبين المشترك أو قيادته أي شيء لكني تعبت من المراشاة ومن مراعاة عدم التأثير على الثورة وهم يسترسلون في غيهم وغبائهم وتعنتهم الواضح في الهيمنة والسيطرة على الأوضاع السياسية واتخاذ الشباب في الساحة ورقة ضغط يبيعون ويشترون باسمها، وحتى الشهداء الذين سقطوا في هذه الساحات ستذهب دماءهم سدى لأنهم لن يطالبوا بها، والاهم عندهم هو تعويض المتضررين (الكبار طبعا) والذين سيتم تعويضهم من راعي المبادرات بأضعاف مضاعفة..
ماحملني على قلب ظهر المجن للمشترك هو مايجري بصورة يومية في محافظة تعز، ودم الشهداء الذين سقطوا في مختلف المحافظات، وضحايا التنكيل في أرحب ونهم والحديدة، والمشترك لايحرك ساكنا، تهدم بيوت المساكين وتشرد أسرهم والمشترك ساكت ويحافظ على شعرة معاوية التي مددها في كل الاتجاهات وشغله الشاغل ألا تنقطع في أي اتجاه..!!
عندما أتحدث عن المشترك لابد من الإشارة إلى أن هناك العديد من الشخصيات السياسية والشبابية في الساحات لاسيما ساحتي تعز وصنعاء أصبحوا يعملون بمنأى عن هذا التكتل اقتناعا منهم بما وصلتُ إليه وكتبته هنا، لكنهم إلى الآن ملتزمون بما كنت التزم به خلال الفترة الماضية وهو عدم الشوشرة على الثورة أو المساهمة في تثبيط الشباب وبث روح الفرقة فيما بينهم..
أخيرا اكرر دعوتي للإخوة قادة اللقاء المشترك الانسحاب من المشهد السياسي والعودة إلى منازلهم وإغلاق هواتفهم وترك الفعل السياسي والثوري يتصاعد من الشباب في الساحات وهم الأقدر على قيادة البلاد نحو مستقبل يرسمونه على أرصفة الساحات والإسفلت الذي ينامون عليه، وأتوقع أنهم سيُخرجونا إلى الطريق قريبا، كما أتمنى على القيادات العسكرية التي انضمت للثورة أن تساهم في فتح الأبواب المغلقة أمام الشباب سواءً أبواب الفريق عبدربه منصور هادي أو حتى أبواب دار الرئاسة إن اقتضى الأمر..