كتب الإمام الغزالي «إحياء علوم الدين» ليعيد إلى التعليم الإسلامي رونقه ويضعه على عتبة التماهي التفاعلي الإيجابي مع علوم العصر وأسئلته المتجددة ؛ ولهذا فإن ما نفعله الآن في سياق بحثنا عن تجديد فقه الشريعة ليس غريباً عن ذات الروحية وتلك الأهداف.
إن مثل هذا البحث يتطلب تشكيل إطار جمعي من فقهاء وعلماء الأمة، وبهذه المناسبة لا بأس من استعادة الرؤية الرشيدية «نسبة إلى ابن رشد» والتي تساوقت مع جدل كلامي بنّاء بينه والإمام محمد بن محمد حامد الغزالي، ولكن دون أن يفقد الطرفان المعاني والدلالات العميقة للدين الحنيف، فقد كانت العلوم الفلسفية اليونانية تشكل ملمحاً من ملامح حركة الفكر في العالم الإسلامي، وتفارق العلماء في رؤيتهم لمدى التقارب أو التباعد بين الفلسفة والشريعة ،وبلغة ذلك العصر بين الحكمة والشريعة، وكان للغزالي موقف من التطيّرات المقرونة بالتفلسف الذي يوصل إلى الزندقة وعدم الإقرار بالغيب ونواميسه. وكان ابن راشد باحثاً عن نقطة التقاء بين الفلسفة والشريعة ولهذا كتب مقاله المهم!! «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال» وذهب في مقاله إلى أن التناقض السافر بين الحكمة «الفلسفة» ،«الشريعة»،«الدين»، ينتهي إذا ما التقت الحكمة مع الشريعة عند تخوم الفضيلة، بل إن الحكمة تنصاع في مثل هذه الحالات لمقاصد الشريعة جبراً لا خياراً.. وبهذا المعنى حاول ابن رشد فض الاشتباك العسير بين المستجد من العلوم والمعارف من جهة، ،وأحكام الشريعة من جهة أخرى، وقد أفلح في ذلك، بل إنه ألهم كبار الإنسانيين الأوروبيين الذين أخذوا بالفكرة وبحثوا عن وجه التلاقي بين الدين وعلوم الدنيا النابعة من المستجدات فيما لسنا بصدد تفصيله هنا.
ما أود قوله: إن فكرة التقاء المتناقضات ليست غريبة على الإسلام بل هي في أساس وجوهر الدين الحنيف؛ ولهذا السبب فإن الذين يتعمدون وضع حواجز وجسور بين الدين والدنيا، وبين الإسلام والعالم يتباعدون عملياً عن مقاصد الشريعة، سواء بحسن نية أو عكسها.
Omaraziz105@gmail.com