أخيراً وضعت الحرب في صعدة وعمران أوزارها، صحيح أن الناس لم يلمسوا السلام الحقيقي بعد، إلا أن هناك رغبة من الطرفين (الدولة والحوثيين على السواء) في إنهاء الحرب التي أنهكت البلد واقتصادها وإمكانياتها وقدراتها العسكرية، وحصدت الآلاف من القتلى والجرحى، وشردت مئات الآلاف من المواطنين، الذين كانوا الخاسر الأكبر في هذه الحرب العبثية.
سلام ما بعد الحرب هو المطلوب أن يلمسه المواطن في صعدة وعمران والجوف، وكل المناطق التي وصلت إليها شرارة الحرب، فهؤلاء يستحقون السلام المفقود في صعدة، التي سميت ـ مجازاً ـ مدينة السلام، وهي لم تشهد السلام منذ قام النظام الجمهوري العام 1962 وحتى اليوم باستثناءات بسيطة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تحديات ما بعد الحرب ليست سهلة، فهناك الكثير ممن لا يريد للحرب أن تنتهي لأن لهم مصلحة كبيرة في استمرارها، لكن على الجانبين أن يدركا أن وقف الحرب تحول إلى مطلب شعبي؛ فالحرب استنزفت الدولة عسكرياً وبشرياً، كما أن الحرب استنزفت سكان صعدة وما جاورها وأثرت على حياتهم وحياة أسرهم، وصرنا مشردين نطلب المساعدات من الخارج لكي يطعمونا.
اليوم حان الوقت لوضع أسس جديدة للسلام، سلام يستند إلى حقائق لا يجب أن تغفل عن بال الدولة والحوثيين ومن يوالي الطرفين، وهي أن اليمن لم يعد يحتمل مزيداً من المحن كالمحنة التي انتهت بوقف إطلاق النار في صعدة وعمران، ذلك أن استمرار هذا النزف يجب أن يتوقف وإلى الأبد.
وعلى السلطة البدء بالاتجاه جنوباً، كما قال الأستاذ سلطان البركاني قبل أيام، فالوضع هناك قابل لمزيد من التردي، خاصة بعد إغلاق ملف صعدة، وعلى السلطة أن تستفيد من درس الحروب الست في صعدة وعمران، وعدم تكرارها في معالجة ملف المناطق الجنوبية والشرقية في البلاد، إذ أننا بهذه العقلية يمكننا أن نتجنب مزيداً من الدماء التي يمكن أن تسيل هناك من المواطنين والجنود على السواء.
لا يجب الاستهانة أبداً بما يحدث في بعض محافظات الجنوب؛ لأن ذلك قد يدفعنا إلى الاسترخاء وعدم قراءة الوضع قراءة صحيحة، لأن النتائج ستكون كارثية.. التبصر اليوم في إيجاد الحلول الممكنة أفضل من السير في طريق يؤدي إلى الهاوية.
الاتجاه جنوباً برؤية وطنية مخلصة منطلقة من حرص على مستقبل البلد ووحدته واستقراره، مع تنازلات سياسية، أفضل من التحسر على خسائر يمكن أن تنتج عن العناد والمكابرة في حال السير في طريق المعالجة الحالية لما يدور اليوم في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد.
- نقلا عن صحيفة ( السياسية ):