سرعان ما تراجع سقف التوقعات العالي الذي ظهرت به القوى السياسية اليمنية في مؤتمر الحوار الوطني وما توصلت إليه في ذلك الحوار من توافق وطني واسع حول سبل وكيفية التعامل مع مشكلات الواقع اليمني والدفع به نحو المستقبل المأمول ولعل السبب في هذا التراجع يعود بالدرجة الرئيسية إلى المصاعب التي مازالت تقف أمام الانتقال بمخرجات الحوار من الجانب النظري إلى التطبيق العملي حيث يبدو مثل هذا الأمر شائكاً وصعباً في ظل ما تموج به الساحة من انفعالات وانقسامات سياسية واضطراب أمني واقتصادي إلى جانب ما تشهده من تصاعد لأعمال العنف والمواجهات المسلحة وكأن اليمنيين لم يتعلموا من دروس تجاربهم وتجارب ماحصل في بعض دول (الربيع العربي) التي لايزال التوتر فيها سيد الموقف أو انهم الذين يصرون على مواصلة سياسة الانتحار الجماعي والتي وإن نجحت فسيكون فيها دمارهم جميعاً.
فهل هي مصادفة وبعد أن احتكم اليمنيون إلى سلاح الحوار بدلاً من حوار السلاح ان تتكالب تلك العوامل والتي وإن اختلفت منطلقاتها فإنها تلتقي عند تعطيل مسار التوافق واستنزاف مقدرات هذا البلد المنكوب وإغراقه في دوامة العنف والفوضى؟ أم ان مثل هذا التصعيد النوعي لايعدو مفاجئاً بالنظر إلى مايجري في بلدان عربية أخرى من أحداث وتطورات ولذا فمايحدث في اليمن يندرج في إطار ذلك السيناريو؟أم ان المسألة أكبر من ذلك وما يعتمل في سماء اليمن ليس سوى حلقة من حلقات مشروع (الفوضى الخلاقة) الذي تقوم استراتيجيته على تغذية النوازع الطائفية والمذهبية والجهوية داخل الدولة الوطنية الواحدة.
فالحقيقة المؤلمة أن ما تشهده الساحة اليمنية هذه الأيام من أعمال عنف ومواجهات مسلحة واضطراب أمني يعكس خطورة هذا المشروع والذي يتحرك في اليمن تحت يافطات عدة بدءًا بتصعيد الحوثيين والذين لم ينتظروا حتى يجف حبر الوثائق التي خرج بها مؤتمر الحوار الذي شاركوا فيه كأحد مكوناته الأساسية بل انهم من سارعوا إلى إشعال العديد من الحروب المفتوحة في شمال الشمال بهدف السيطرة على المزيد من الأراضي والمناطق وإخضاعها لنفوذهم ولم تكن المواجهات التي يخوضونها منذ عدة أسابيع على أبواب مدينة عمران التي لا تبعد سوى45 كلم عن العاصمة صنعاء إلا دليلاً حياً على أنهم ماضون بقوة في تنفيذ مشروعهم المدعوم من الخارج بالسيطرة كلياً على منطقة جغرافية تمتد من صعدة شمالاً إلى ذمار مروراً بعمران وصنعاء قبل أن يتجهوا نحو الساحل الغربي للحصول على منفذ بحري في منطقة ميدي التي تدخل ضمن المعايير التي استندوا إليها عند وضع مشروعهم السياسي والاقتصادي.
ولا يختلف الحال في جنوب اليمن وشرقه حيث يستغل تنظيم القاعدة الاضطراب الأمني لجعل تلك المناطق محطة انطلاق إلى كل أنحاء اليمن على أن القراءة التاريخية تؤكد بان العناصر الجهادية التابعة لهذا التنظيم باتت مدركة بان أقصى مايمكن أن تقوم به في اليمن هو إثارة البلبلة وخلق الاضطرابات التي تسهم في إسقاط الدولة وترك البلاد نهباً للفوضى لذا فان تركيز القاعدة ينصب على إرباك العملية السياسية وإظهار اليمن كدولة فاشلة أو دولة تمر بأولى مراحل الفشل.
واللافت انه ورغم كل هذه الأخطار التي تواجه اليمن فإن سلطته الحاكمة لم تستوعب حتى الآن انه لن يكون هناك أي استقرار سياسي واجتماعي أو نهضة تنموية واقتصادية بدون المصالحة الوطنية وإقفال ملفات الماضي وفتح صفحة جديدة تقوم على التسامح والشراكة الوطنية التي لا مجال فيها لتهميش أو إقصاء أي طرف من الأطراف.
*عن الرياض السعودية