من المؤسف أن تكون حصيلة زيارتك إلى مدينة المخا استمرارها بعيدة عن مسار حركة التطوّر والتنمية التي حظيت بها كل المدن والمناطق اليمنية وحتى الثانوية والنائية في ظل الثورة اليمنية، إذ ما تلمسه وتشاهده لا يعدو عن جهود متواضعة لا ترتقي إلى المستوى المقبول.
مدينة المخا التي اشتهرت عبر التاريخ كأهم الموانئ اليمنية.. إذ كانت من أهم منافذ إطلالة اليمن على العالم، ومنها يصدّر البن المتميز جودة ونقاءً ونكهة، زرتها قبل وعقب قيام ثورة الـ26 من سبتمبر، وأنا طفل بمعية أو برفقة من كانوا يذهبون إليها من أهل قريتي لتوديع الذاهبين إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج، حيث كانت رحلات شاقة وأليمة.. أما الشاقة فكانت نتاج صعوبة ووعورة الطريق من تعز إلى المخا التي كانت مفتقرة حتى إلى الشق البدائي.. ولكون وسائط النقل كانت عبر “البابور” سابقاً الناقلة حالياً لمواد البناء وغيرها، وأما المؤلمة فكانت نتاج غرق بعض المسافرين على القوارب الصغيرة والقديمة أثناء نقلها للحجاج من اللسان البحري القديم إلى عرض البحر حيث كانت ترسو سفينة نقل الحجّاج.
وزرتُ مدينة المخا مراراً وتكراراً خاصة أثناء وبعد تنفيذ مشروع رصيف الميناء والذي أزاح عن المستخدمين عناء وإفرازات مخاطر التنقل بالقوارب الشراعية وغيرها.. إلا أنني لم ألمس حضور اهتمام الدولة بتلك المدينة ذات التاريخ العريق.. وإن وُجد شارع بعد ما يقرب من 52عاماً من عمر الثورة المباركة لا يفي شيئاً.
إذ لم تشهد أو تعيش خطة ثلاثية أو خمسية أو حتى عشرية لأحداث التحول المأمول لـ«مخاكوفي» فحركة الناس فيها لازالت محدودة.. إذ لا فنادق فيها ولا مطاعم ولا مرافق سياحية أو ترفيهية تواكب واقع حواضر مدن الموانئ الذي تنعم به حتى مدن ساحلية ثانوية، معدات الرياح لا وجود لها، فيجد الزائر أن أكوام الرمال تطمر أحياناً بعض الأبنية القديمة والأثرية منها بالذات، ونتمنى أن لا تظل مطية النسيان.
المخا مدينة الموانئ اليمنية التاريخية لا زالت تشكو غياب مشاريع تحضيرها فهي بحاجة إلى جهد استثنائي مركزي ومحلي عام ومحلي خاص.. إنها بحاجة إلى مخطّط حضري يزيل عنها صورة العشوائية المتقوقعة فيها، لا بد من مخطط يحدّد عاجلاً وليس آجلاً متنفساتها من الكورنيشات والحدائق العامة.. ولا بد من أن يواكب ذلك جهد استثنائي من الجهات ذات العلاقة كوزارات السياحة والأشغال والتخطيط الحضري.. والنقل والزراعة والصحة العامة، إذ لا يجوز أن تظل تشكو غياب المرافق الخدمية والتنموية.
المخا اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى استراتيجية وطنية لانتشالها والخروج بها من وضعها الحالي إلى ما هو مأمول .. لا سيما بعد إقرار إنشاء إقليم الجند في إطار أقاليم للدولة اليمنية الاتحادية، كون إقليم الجند يفوق بعدد سكانه ومساحته بقية الأقاليم اليمنية، ويعتبر ميناء المخا متنفس الإقليم سياحياً ونافذته تجارياً.. ومن هنا ولمواكبة توجه الناس لقضاء إجازاتهم وتفعيل أنشطة الإقليم تجارياً وسياسياً وترفيهياً.. صار من الواجب أن ينشط المجلسين المحليين لمدينتي تعز وإب وكذا المجلس المحلي لمديرية المخا في الإعداد المبكر والفوري لتأهيل مدينة المخا في هذا الإطار، فموقع المخا اقتصادياً وسياحياً وحضارياً يؤهلها لأن تكون درة بديعة تتصدر مدن الموانئ اليمنية، ونتمنى أن تأتي الاستجابة لهذا الطرح وهذه الدعوة أسرع مما نتوقعه، إذ ما يوجد في هذه المدينة من حركة ونشاط لا يمثل 10% مما يجب أن يكون ولا بد هنا أن يكون للزملاء في بلاط صاحبة الجلالة حضورهم في تسليط الضوء حول احتياجات المخا، المدينة والسواحل والبنى التحتية.. مع تسليط الضوء حول تاريخها القديم المليء بالحكايات والذكريات التي لا ولن تُنسى، وأتمنى أن تكون لنا زيارات قادمة وقد تحقق ولو جزء مما نتطلّع إلى أن نراه ونشاهده في مدينة المخا.. فالمخا تاريخ وحضارة يمنية عريقة يجب أن تتجدّد.