خلال الفترة التي تلت التسوية التوافقية على قاعدة المبادرة الخليجية، أعلن الحوثيون عن أنفسهم بوصفهم فصيلاً سياسياً مشاركاً في مؤتمر الحوار الوطني، وقابلاً بالعملية السياسية، واستتباعاتها المعلنة، لكنهم على الأرض لم يأخذوا بتلك المرئيات المُعلنة، بل استمروا في تشكيل مليشيات مسلحة مقاتلة، وبدأوا في تصفية الحساب مع حزب الإصلاح في صعدة ودماج وعمران، وكان خيارهم التمدد على الأرض بقوة السلاح والمليشيات المسلحة، ومن المؤكد أن دعماً لوجستياً ومالياً سخياً، كان وما يزال ينهال عليهم من إيران تحديداً، فيما أُوكل لحزب الله في لبنان، الترشيد للموديل القائم على ذات المعايير التي قام عليها حزب الله اللبناني، مُتناسين معنى المكان الجغرافي اليمني المُغاير، والمختلف جذرياً عن بيئة لبنان، فاليمن لا يمكن السيطرة على مقدراته بمليشيات مسلحة، فالمساحة الإجمالية تصل إلى 555 ألف كيلومتر مربع، وفي اليمن ما لايقل عن 300 جزيرة، وهنالك أنساق طبيعية متنوعة وقاهرة لأي جيش مليشياوي يتوخَّى السيطرة على البلاد، بل إن الجيش النظامي المحمول على جناح الدولة وإمكانياتها لا يستطيع السيطرة على هذا التنوع الجغرافي المعقد، والتراكيب الاجتماعية المشمولة باستقلال ذاتي ناجز.
خلال الأيام القليلة الماضية أصرَّ الحوثيون على مطالب في ظاهرها إجرائية عملية، وفي طيَّاتها أبعاد سياسية لا تخفى على أي لبيب، ومنها الإجهاز على حكومة الوفاق الوطني، والتمهيد لمرحلة جديدة من التمأسس المقرون بالقوة والمال، وهو أمر من شأنه أن يعيد البلاد والعباد إلى مربع خطير، كذلك الماثل الآن في العراق وسوريا.
إذا سارت الأوضاع وفق هذا السيناريو الجهنمي، فإن اليمن ستفقد ميزتها النسبية التي طالما تغنَّى بها العرب .. ميزة التوافق والتنازلات الشجاعة، والقدرة على تدارك الأمور عند حافة الانهيار، والسقوط المريع الذي لن يوفَّر أحداً.
Omaraziz105@gmail.com