الاستقواء بالسلاح هو من مكّن مراكز قوى قبلية وأيضا دينية ـ سياسية على مدى عقود من الاستحواذ على نصيب الأسد من مقدّرات البلد وثروته ومناصب السلطة ومفاصلها, وهو أمر شكّل مرارة بالنسبة لملايين البسطاء الذين تولّد لديهم بمرور الوقت شعور بالظلم ورغبة بالانتقام وهذا شيء طبيعي.
ولذلك عندما سقطت مثل هذه المراكز لم يأسف الناس عليها بل إنهم مارسوا حالة تشفٍّ؛ وذلك أضعف الإيمان من رد الفعل, بغض النظر عن ما إذا كانوا يقبلون أو يرفضون بالطرف الذي أسقط تلك المراكز وطوى صفحتها.
وبالتالي عندما تقدم قوة نفسها على أنها المخلّص وأنها الحامل لمشروع التغيير والقادر على تحقيق أحلام الناس بحياة كريمة وبقدر معقول من الرخاء, فعليها أن تدرك أن مجرد رفع الشعارات وتقديم الوعود لا يكفي للسيطرة على الشارع أو كسب وده فالناس يريدون أفعالاً لا أقوالاً، ويبحثون عن رائحة الخبز لا رائحة البارود.
وبالتالي إذا كانت قوة معينة قد نجحت في تقديم نفسها كقوة معارضة وحيدة في ساعة العُسرة، ويوم أن كانت باقي القوى شريكة في الحكم والسلطة وراضية عن رفع الدعم مهما كان القرار مؤلماً للغالبية المسحوقة, فيجب أن تتنبه إلى أن مجرد القول إنها ليست مشاركة في الحكومة لا يكفي للادعاء بأنها ليست في السلطة, فالناس يدركون ويعرفون حجم تغلغلها في مفاصل الدولة وأجهزتها، وبالتالي يشعرون أن ليس هناك فرق بين من مارس الاستحواذ في الماضي عبر استقوائه بالسلاح أو من يمارس الاستحواذ في الحاضر عبر الاستقواء بذات السلاح.
بل إن الأكثر جلباً للأسف شعور الكثيرين بأن مثل هذه القوة مازال يقتصر من يشاركون في أجهزة الدولة على لون معين من الانتماء، وهذا أمر واضح للقاصي والداني, ونأمل أن يتم تلافيه حتى لا يكون وبالاً على مثل هذا الطرف الذي لايزال نظرياً ينفي كل الاتهامات التي توجه له؛ باعتباره قوة لا تقوم على المساواة بين الناس أو على الأقل بين أنصارها, وأنه إذا وجد في قوائمها من ينتمون إلى جهة أو فئة أو طائفة أخرى فلا يعدو ذلك عن كونه عملية تجميلية.
alhayagim@gmail.com