هل احتوى الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي على تفاهمات إستراتيجية سرية بين الجانبين حول ملفات الشرق الأوسط الرئيسية، و السوري منها على وجه الخصوص؟
الإجابة جاءت بالأمس على لسان فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني الذي قال أمام برلمان بلاده بالحرف الواحد "لا نرغب في سقوط نظام بشار الاسد"، و أضاف "لن نحصل على النتائج المرجوة إذا انهارت مؤسسات النظام، فالنتيجة المطلوبة هي حصول تغيير سياسي في النظام، و الحفاظ على البنية التحتية الأساسية للدولة، و تشكيل شرعية سياسية من قبل مجموعات معتدلة"، و أكد على ضرورة عدم تكرار الأخطاء في ليبيا و العراق.
من يعرف طبيعة العلاقة الإستراتيجية الخاصة بين بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية يدرك جيدا، و دون أدنى تفكير، أن وزير الخارجية البريطاني لا يمكن أن يقول ما قاله دون أن يكون حصل على الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، و تنسيق مباشر معها.
لو كانت الولايات المتحدة و حلفاؤها يريدون فعلا إسقاط النظام السوري، لما اضطروا "مكرهين" على توقيع الاتفاق النووي مع إيران، و رفع الحصار عنها، و الاعتراف بها كدولة نووية، و تطبيع العلاقات معها، و من يعتقد غير ذلك لا يعرف أمريكا و الغرب، و لا يفهم دروس العلاقات الدولية في العصرين القديم و الحديث.
***
السياسات الأمريكية تتغير وفق المصالح، و ليس وفق الثأرات القبلية والأحقاد الشخصية، فقد حاولت الإدارة الأمريكية تغيير النظام في إيران عبر الحصار الخانق، و التهديدات بضربة عسكرية و فشلت، لان النظام الإيراني ظل متماسكا و طور قدرات عسكرية ضخمة، و لعب ورقة الخيار النووي بدهاء كبير.
الإدارة الأمريكية عندما دعمت المعارضة السورية المسلحة، لم تفعل ذلك حبا في الديمقراطية و حقوق الإنسان، و لا رحمة بالشعب السوري، فمن يقتل مليون عراقي دون أن ترف له جفن، لا يمكن أن يأبه بمقتل 300 ألف سوري، و من يبارك تشريد ستة ملايين فلسطيني لا يمكن أن يحزن لتهجير خمسة ملايين سوري، أمريكا جيشت العرب و أموالهم و إعلامهم في سورية للضغط على إيران، و عندما توصلت إلى اتفاق معها تخلت عن حلفائها العرب، مثل مناديل "الكلينيكس".
من يريد الحفاظ على مؤسسات النظام و يتحدث عن ضرورة عدم تكرار الأخطاء في العراق و ليبيا، يمهد للاعتراف بشرعية النظام السوري، و تطبيع العلاقات معه، و إعادة المياه إلى مجاريها، بصورة أو بأخرى، تماما مثلما فعلوا مع إيران التي لم تعد دولة إرهابية بجرة قلم، و إنما قوة إقليمية عظمى يجب التعاون معها في معظم ملفات المنطقة أن لم يكن كلها، لان البدائل العربية الأخرى مخجلة تتوسل الحماية الأمريكية و الأوروبية ليل نهار.
هناك تطوران رئيسيان يؤكدان كل ما تقدم لا يجب تجاهلهما، إذا أردنا استقراء خريطة التحالفات المستقبلية في المنطقة:
الأول: وصول ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي في الملف السوري إلى العاصمة الإيرانية طهران (الثلاثاء)، و اجتماعه مع السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني و نائبه حسين أمير عبد اللهيان لبحث تطورات الملف السوري، مشددا على ضرورة إيجاد حل سياسي، و يكفي الإشارة إلى أن سلفه الأخضر الابراهيمي خسر وظيفته لانه تحدث عن حضور ايران لمؤتمر جنيف السوري.
الثاني: تأكيد ضابط في قوات حماية الشعب الكردي، المتحالفة مع دمشق، لوكالة الصحافة الفرنسية عن وجود تنسيق بين الجيش السوري وقوات التحالف الامريكي، عبر وسيط كردي، وان طائرات سورية شوهدت خلال الايام القليلة الماضية وهي تحلق في شمال مدينة الحسكة في شمال شرق سورية بالتزامن مع وجود طائرات للتحالف الامريكي تقصف تجمعات “الدولة الاسلامية”.
صحيح ان متحدثا باسم القيادة العسكرية الامريكية في الشرق الاوسط كورتيس كيلوغ نفى وجود هذا التنسيق، ولكن الوقائع على الارض تكذبه ايضا، وتكذب ادارته وقادته، ولا ننسى في هذه العجالة اكذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقية مع الفارق الكبير في المقارنة.
***
إيران ليست دولة فقط، وانما منظومة متكاملة، وسورية احد اعمدة هذه المنظومة الابرز، وطالما انها خرجت من عنق زجاجة الحصار الامريكي، فمن الطبيعي، بل والمنطقي، ان تخرج معها سورية، والنظام الحاكم فيها، الذي رفض كل المغريات المادية العربية، والتهديدات الامريكية، للخروج من هذه المنظومة، وتحمل حربا ضروسا استمرت اربع سنوات.
امريكا تغير احصنتها، مثلما تغير اولوياتها، واولويتها الابرز حاليا لم تعد اسقاط النظام السوري، ليس لانها لا تريد بل لانها لم تستطع، وباتت تركز الآن على الخطر الاكبر في رأيها وهو “الدولة الاسلامية”، وتعتقد ان الجيش السوري، هو الاقدر على القيام بالدور الحاسم في هذا الاطار، بعد ان فقدت الامل في جيوش حلفائها العرب، وتزايد ضعف قبضة الرئيس رجب طيب اردوغان على السلطة في انقرة.
ماذا عن الشعب السوري، ماذا عن 300 الف قتيل؟ ماذا عن الائتلاف الوطني؟ وقبله المجلس الوطني الانتقالي؟ ماذا عن منظومة اصدقاء سورية؟ ماذا عن مقعد سورية المجمد في الجامعة العربية؟
نترك لكم الاجابة.. وفهمكم كفاية.
عن: رأي اليوم