من المفترض ان يبدأ تطبيق اتفاق وقف النار في مختلف انحاء سورية منتصف ليل الجمعة السبت، ولكن معظم الدلائل تشير الى ان فرصه في التطبيق على الارض تبدو شبه معدومة، فالهجمات السورية الروسية الجوية والبرية ستستمر ضد “الجماعات الارهابية”، وهذه الجماعات سترد حتما، وتركيا، ومثلما اكد رئيس وزرائها احمد داوود اوغلو، لن تلتزم بالاتفاق وستواصل قصفها للجماعات التي تعتبرها بدورها ارهابية، مثل قوات حماية الشعب الكردية التي تحظى بدعم امريكي.
هذا اغرب اتفاق لوقف اطلاق النار يتم التوصل اليه في تاريخ منطقة “الشرق الاوسط”، وربما الكرة الارضية، لان من توصل اليه دولتان عظميان، ودون التشاور او التنسيق مع “اللاعبين” الاساسيين على الارض، او حتى “الهامشيين” داخل سورية او في المنفى، وفوجئت به الدول الاقليمية.
***
“الدولة الاسلامية” تلتزم الصمت تجاهه، ربما لانها غير معنية به، لكن شقيقتها بـ”الرضاعة” من ثدي “القاعدة” كانت الاعلى صوتا، عندما خرج السيد ابو محمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” ببيان صوتي وصف الاتفاق بـ”الهدنة المذلة” و”المخزية”، وطالب الفصائل المقاتلة لرفضه، وقال “احذروا خديعة الغرب وامريكا.. واحذروا مكر الرافضة والنصيرية.. الجميع يدفعكم للعودة لعهد الطاغية نظام الاسد الظالم”، و”جبهة النصرة تتشكل من شبكة من الاذرع العسكرية والفصائل، وبعضها ينضوي تحت مظلة “معارضة الرياض” التي ايدت الاتفاق.
رد فعل زعيم تنظيم “النصرة” يعكس حجم المخاطر التي يواجهها هذا التنظيم في المستقبل القريب في جبهات القتال، فاتفاق الهدنة استثناه، واعطى الضوء الاخضر، بل و”الشرعية”، لمواصلة روسيا غاراتها الجوية ضد مواقعه، ولاستعادة ادلب وجسر الشغور ومناطق اخرى في شمال حلب التي يسيطر عليها “جيش الفتح”، احد اذرعه العسكرية، مدعومة بقوات نظامية سورية على الارض حققت انجازات كبيرة في ريف حلب الشمالي في الاسابيع الاخيرة.
الخلافات بدأت تطفو على السطح بين الرئيس بشار الاسد وحليفه الروسي حول العملية السياسية، والفترة الانتقالية، الامر الذي دفع الرئيس السوري الى الاقدام على “ضربة استباقية”، اثارت غضب هذا الحليف، عندما اصدر مرسوما بالدعوة الى انتخابات برلمانية في اواخر شهر نيسان (ابريل) المقبل، ولكن الطرفين متفقان على مواصلة الحرب على الارهاب ومنظماته، وعلى رأسها تنظيمي “النصرة” و”الدولة الاسلامية”، الامر الذي قد يؤجل او “يجمد” هذه الخلافات الى حين.
الموقف على الارض لن يتغير والغد سيكون مثل الامس، والشهر المقبل مثل من سبقه، واتفاق اطلاق النار يذكرنا بآلاف مثله اثناء حروب الشرق الاوسط، خاصة في لبنان واليمن وليبيا والعراق وايران، فكيف سيطبق ويحظى بأي فرص للنجاح وهناك اكثر من 250 تنظيما سوريا مسلحا على الارض على الاقل، في ظل تداخل جغرافي بين هذه التنظيمات، وانعدام الرقابة على الارض، وآلياتها لمعرفة من التزم، ومن لم يلتزم، ففي الكيلومتر المربع الواحد يمكن ان تكون هناك سيطرة لاكثر من تنظيم.
سورية تنجرف بسرعة نحو “الخطة ب” التي تحدث عنها، وهدد بها، جون كيري وزير الخارجية الامريكي قبل بضعة ايام في حال انهيار اتفاق وقف اطلاق النار، اي غزو بري سعودي تركي مدعوم امريكيا، وتقسيم جغرافي وديمغرافي لسورية، فالوزير كيري قال في شهادته امام الكونغرس قبل يومين انه لا يوجد اي ضمان لنجاح وقف “الاعمال القتالية” بينما طالبه نظيره الروسي سيرغي لافروف بالكف عن الحديث عن خطط بديلة وعمليات برية ومناطق منزوعة السلاح، مثلما انتقد، اي لافروف، تصريحات الرئيس باراك اوباما التي ادلى بها يوم الخميس (امس) عن ضرورة تنحي الاسد في حال التوصل الى سلام دائم.
***
هذا اتفاق لوقف اطلاق النار لا يريده، ولا يحتاجه احد، ويتمنى الجميع فشله، والموافقة عليه تأتي من قبيل “سد الذرائع″ وفي اطار سياسة كسب الوقت، ومحاولة تجنب الاسوأ، اي الحرب الاقليمية التي قد تتطور الى حرب اممية، فالوضع في سورية خرج عن السيطرة، بشقيها السياسي والعسكري.
المهم الآن هو شكل ومضمون السيناريو الذي سيكون عليه المشهد السوري بعد الفشل المتوقع لهذه الهدنة، وربما سيكون دمويا ومرعبا في معظم جبهات القتال، ولعل وصول الطائرات السعودية المقاتلة الى قاعدة انجرليك التركية، وفي مثل هذا التوقيت، هو احد مقدماته، وكل ما يقال ان هدفها، اي الطائرات السعودية، الحرب على “الدولة الاسلامية” هو غطاء لهدف آخر هو “التقسيم الجغرافي” لسورية، وانشاء كيان سني “جديد في الرقة ودير الزور والحسكة، ويكون امتدادا لآخر في الموصل.
هل ينجح هذا المخطط؟ وهل ستعترض الصواريخ الروسية من طراز اس 400 هذه الطائرات السعودية ونظيرتها التركية، وهل ستقف الولايات المتحدة وادارتها مكتوفة الايدي تراقب الموقف عن بعد؟ وما هو رد فعل تركيا ورئيسها اردوغان؟ هل ستكون حربا روسية تركية سعودية؟ ام حربا عالمية روسية امريكية؟
الاسابيع المقبلة قد تحمل اجوبة على هذه التساؤلات.