على الرغم من الإجماع الإقليمي والدولي على فشل الحسم العسكري في اليمن وأن الحرب الدائرة في هذا البلد منذ مارس 2015 قد استنفدت كل أهدافها وتحولت إلى حرب عدمية وكارثة إنسانية يكتوي بنيرانها الملايين من اليمنيين، وصار من الضروري التفكير بصوت عال عن سبل إيقافها عبر تسوية سياسية مقبولة وواجبة التنفيذ؛ إلا أنه ورغم ذلك الإجماع فما زالت طاحونة هذه الحرب مستمرة في حصد الأجساد وتدمير كل ما هو على الأرض دون أن تلوح في الأفق أية بارقة عن نهاية قريبة لها بل أن كل المؤشرات تدل على أنها من تتجه نحو التصعيد بشكل يخالف كل التوقعات.
تتضاعف أوجه هذه المفارقة ونحن نستمع إلى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن البريطاني مارتن غريفيث وهو يتحدث أكثر من مرة عن أن الأطراف الدولية الفاعلة والطرف الأساس في التحالف العربي وكذا أطراف النزاع المحلية هي من تتفق على أهمية الإسراع في إحلال السلام وإيقاف الحرب وإنهاء كل فكرة محكومة بسلطان القوة إذ إن مثل هذه السردية كافية إلى التساؤل: ما هي المشكلة إذن التي تعيق وقف الحرب وفرض خيار السلام طالما والجميع مع السلام وضد الحرب ؟ إلا أن ما نعرفه جيداً هو أن كل ما يقال في التصريحات لوسائل الإعلام لا يعبر عن الحقيقة غالباً وأن الحديث عن السلام لا يعني بالضرورة أن أطراف الحرب أدركت أهدافها الحقيقة وباتت حريصة على رفع راية السلام وتقديم التنازلات لبعضها البعض كهدف عام ومشترك للجميع سيما وأن الصراع في اليمن مترابط ومتداخل مع الصراع في المنطقة ومن الصعب إفساح السبيل أمام احتمالات الحل هنا دون الالتفات إلى المشهد العام في المنطقة كلها.
لقد قدمت كل الأطراف وجهة نظرها في توضيح مسببات استمرار الحرب في اليمن سواء في ردها إلى عوامل داخلية أو خارجية غير أن هناك ما يمكن أن نعتبره (توافقا) على ان هذه الاطراف مسكونة بالشك ونظريات المؤامرة على بعضها البعض وانها التي تغلب الايديولوجيا في تقيمها للصراع وخيارات السلام، وهو ما يجعل الوصول إلى هذا السلام يتوقف على مدى استعداد تلك الأطراف للتخلي عن الشروط التعجيزية واستقطابات الحرب وتصفية الحسابات وسياسة الكيد والتسليم بأن السلام فيه مصلحة لجميع السياقات المحلية والإقليمية والدولية وأن هذا السلام لا يمكن له أن يتحقق إلا إذا ما توفرت الإرادة الصادقة والثقة المتبادلة والتنازلات الصعبة من أجل الانتقال الى المسار الأسلم الذي ينعم في ظله الجميع بالأمن والاستقرار بعيداً عن نزيف الدم والدمار والأحقاد.
=إذا ما استعرضنا مسار الأزمة التي شهدها اليمن ابتداء من جائحة الربيع العربي التي سرعان ما تبناها المجتمع الدولي والأمم المتحدة بحجة حماية المدنيين سنجد أن قصة ذلك الربيع قد بدأت باستقالة أو إقالة الرئيس علي عبدالله صالح وانتهت بانتشار الموت والخراب في جميع أرجاء هذا البلد الذي توالت عليه الأحداث والكوارث لتحيل شعبه الى مجموعات من البؤساء الغارقين في متاهات لا أفق لها فالحلول التي سعى لها اليمنيون بمعية القوى الإقليمية والدولية لم تفلح في لجم الأزمة أو منع نشوب الحرب الراهنة وابتداع حل يوقف الماسي التي تسبب بها الفراغ السياسي وانزلاق البلاد في حروب متعددة الأبعاد ومتداخلة الأسباب يتشابك فيها المحلي بالإقليمي وبفعل احتدام المواقف والاصطفافات على ضفتي الصراع والتهديدات المتبادلة بين كافة الأطراف فلم يكن أمام المكونات المحلية سوى أن تنتظر الانفراجات المحتملة بين عواصم الإقليمية لمعرفة الحلول المقبولة من تلك العواصم وتحديد خياراتها على ضوء ذلك ويبدو أنها من ستنتظر طويلا حتى تنتهي تلك الأطراف الخارجية من حسم صراعها في اليمن.من جديد يعود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث إلى المنطقة في زيارة ثانية للعاصمة السعودية الرياض قبل أن يعود إلى صنعاء مرة أخرى للاستماع الى تصورات مختلف الأفرقاء بشأن الحل المطلوب للازمة اليمنية ومن المتوقع ان ينبه المبعوث الاممي في هذه الجولة جميع الاطراف الى أن تراكم المعطيات الميدانية بعد ثلاث سنوات من الحرب تقتضي من الجميع الإدراك من انه لم يعد بالإمكان التعامل مع المرجعيات الثلاث الخاصة بإحلال السلام من خلال صيغها القائمة وان من البديهي الأخذ بالاعتبار للتطورات التي أفرزتها الحرب وبالتأكيد فإن الذين ما زالوا لا يريدون قراءة التحولات التي عرفها اليمن خلال سنوات الحرب لن يستطيعوا استيعاب أن الحل السياسي لا يمكن له أن يمر عبر القرار الأممي 2216 وان إصرارهم على تنفيذ هذا القرار حرفيا إنما يعيق السلام ويطيل أمد الحرب.
الطريق إلى السلام في اليمن لن يتحقق من خلال النوايا والأمنيات التي تطلق في الهواء ما لم تكن تلك النوايا مبنية على إرادة سياسية صادقة ومخلصة وتدفع في اتجاه تحقيق السلام والحل المستدام لديناميات الصراع الفعلي في اليمن ونتائجه المأساوية.
الشبيبة العمانية