دخلت البلاد المرحلة الحساسة، ويمكن القول إنها مرحلة تحديد المصير، ودائماً تكون الفترات الأخيرة من السلم أو الحرب هي الأكثر تعقيداً.
فيما تبقى من هذه المرحلة “الانتقالية” سوف تشتد الأعصاب وتقل طاقات الصبر، وهذا الذي تبدو بوادره الآن، ومن أجل أن تمر هذه المرحلة بسلام نحتاج لسياسات استثنائية وعقلانية غير مسبوقة.
درجة حرارة ترمومتر الحوار في تصاعد واضح وانعكاساتها واضحة أيضاً وفي سياق الشد والجذب غابت الكثير من الحقائق عن مواقف هذا الطرف أو ذاك ..وتوارت الآمال خلف الاشتداد الظاهر للعيان. وبدأنا نحس بقلق بالغ من مخرجات الأيام القادمة سواء تلك القادمة من قاعات مؤتمر الحوار، أو من دهاليز المواقف والسياسات والحسابات الجانبية.
بدأنا نقتنع بأن ثمة أموراً ومخرجات لن تكون ذات صناعة محلية من الأساس وثمة من يتبنى هذه الصناعة بطريقة ذكية للغاية وهذه الطريقة الذكية أيضاً ليست محلية الفكرة والتنفيذ والإخراج لكنها صارت واقعاً يستند على قوة يقف أمامها الجميع كالبلهاء أو المسحورين.. وحالما تنتهي البلاهة ويزول مفعول السحر، سوف يبدأ فصل الصراع هدفه تصحيح الأوضاع التي ذهبت بفعل البلاهة والسحر إلى دائرة الخطأ.
الحقيقة أنني أحاول أن أضع قناعاتي الخاصة جانباً، وأقف موقفاً لا يندرج ضمن حسابات الدنيا الفانية، واستدعي من هذه اللحظة كل العقلاء والحكماء وأصحاب العلم والدراية بأحوال السياسة وأولئك الذين يدركون ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع إذا طغت البلاهة، وحضرت الحسابات الشخصية وإذا ما أطلقنا العنان للفعل ورد الفعل، وإذا ما حضرت العو اطف وذهب العقل بل العقول في إجازة متعمدة في هذه المرحلة بالذات ..لكل أولئك أقول: أغلقوا أبواب الشر وأسباب الصراع القادم ..تخلوا عن أنانية اللحظة أو المرحلة التي سوف تزول في لحظة ما على دوي انفجار الكارثة.. لنعمل جميعاً فيما تبقى من وقت ولم يعد سوى القليل ..لنعمل على كبح جماح الأحقاد والكراهية والعناد والمكابرة طالما بقيت الفرصة مواتية لذلك و لنا أن ندرك أن مساحة الفرصة الأخيرة تضيق بتسارع مخيفاً الشواهد التي تلوح في الآفاق غير مبشرة بالخير وفيها من الغموض ما يبعث على الحيرة.
سجلات الحسابات الشخصية والخاصة سوف تحترق، وستشتعل الصراعات من نتائج خاطئة وكارثية في إدارة هذه المرحلة وكل المحاولات التي ستبذل لاحقاً لن تفلح في إعادة زمن هذه الفرصة التاريخية التي توشك أن تضيع بسبب خلافات تافهة.
التسابق على النصيب الأوفر من مكاسب المرحلة هو الذي سيقود البلد نحو مربعات الخراب والتشظي ..وكثيراً ما يخطئ الإنسان في حسابات العداوة والصداقة وكثيراً ما تتغير خارطة التحالفات وكل هذا لا يحُل بالندم.
الصراع على المكاسب ومن أجلها سيدفع بالمكاسب كلها نحو الضياع ويدفع بالبلد نحو المجهول ..و لا عودة إلى المعلوم بعد ذاك.
وإنها مفاوضات وحوار اللحظات الأخيرة وفيها تحدث التدخلات والتداخلات، وفيها يسعى كل طرف لفرض إرادته بالحق أو بالباطل، وكلهم أدعياء الحق والحقيقة والأحقية، وكلهم أدعياء المصلحة المثلى والمثالية، وفي الواقع تتشكل صورة أخرى أقرب ما تكون إلى المشوهة والغموض يحبس الأنفاس والكل يترقب من الذي ينتصر؟ العقل أم البلاهة؟!