تعيد الطبيعة إنتاج حيواتها منسابة في الأيام والفصول ، متنقلة من الليل إلى النهار ، ومعيدة إنتاج الناموس الأزلي لحقيقة كونية واحدة ووحيدة ، فالموت والحياة يتناوبان على قاعدة النماء وصراع الأضداد والانتقال من طور لآخر،والمدى يتسع لفراغات عامة بأشكال مغايرة للحياة ، فالغابة المطيرة وارفة الظلال كثيرة الأشجار تعيد تجديد نفسها بعد أن تعصف بها الرياح العاتية، وتنشب فيها الحرائق المدمرة، وإذا ما علت ألسنة اللهب عشرات الأمتار معانقة السماء، وانفجرت الأشجار البعيدة من جراء الحمم الحامية والنيران العاتية المنبعثة من اشتعال الغابات وماتت الكائنات الحية في أوكارها، عندها يؤذن الله بحياة جديدة للغابة، فتهطل أمطار غزيرة تطفئ النار وتحيي الأرض بعد موتها.
هذا ما يحصل أيضاً في الصراع الأزلي داخل الجسوم الحية ، في الإنسان ملايين الخلايا التي تتناوب الموت والحياة بحساب معلوم، وإذا ما اختل هذا التوازن يتسرطن الجسم ويكف عن البقاء، غير أن هذا الجسم الميت يؤذن بحياة أخرى لكائنات بكتيرية، كانت ميتة، فانتعشت بموت الجسد وتحولت إلى ديدان تلتهم الجسم حتى نخاع العظم.
تنتهي دورة حياة الديدان بمجرد انتهاء مصدر حياتها، وهذا ما يحصل أيضاً في ديدان الحقول، غير أن الأخيرة تتشرنق وتموت، لكن تلك الشرنقة تصبح حاضناً لكائن أثيري جميل وشفاف، إنها الفراشة التي تخرج من لحدها وتعانق الضوء حد الانتقاء، فالفراشة تطير إلى الصباح وتذهب طواعية إلى مصدر الضوء، بل تحترق به، والفراشة كائن علوي لا علاقة لها بأسلافها من الديدان السفليين، فإذا كانت الديدان تقتات بالنباتات وتلتهم الأخضر واليابس ، فالفراشة تقتات على رحيق الأزهار، مؤكدة انتقالها من حياة سفلية سابقة إلى حياة علوية لاحقة، تماماً كالجنين الذي يخرج من ظلمات الرحم إلى نور الدنيا، يصبح كائناً كاملاً يسعد بالعقل والإحساس والمشاعر.