|
|
|
|
|
يمن.. تحديات ما بعد الحرب
بقلم/ دكتور/محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً السبت 20 فبراير-شباط 2010 05:22 م
أخيرا تنفست صعدة الصعداء، وقفت الحرب. هو الصلح إذن و«الصلح خير».
هناك بالطبع من يعارض وقف العمليات العسكرية بحجة أن الحرب كان ينبغي أن تستمر إلى أن يسلم الحوثيون أسلحتهم وأنفسهم للدولة ويقدموا للعدالة جزاء ما اقترفت أيديهم في حق اليمن بشكل عام وصعدة بشكل خاص. هذا الفريق يرى أن الجيش كان قاب قوسين أو أدنى من إنجاز المهمة وحسم المعركة، وأن المعركة كان ينبغي أن تستمر إلى النهاية، لأن الحوثيين - حسب هذه الرؤية - سيوظفون فترة وقف إطلاق النار للاستعداد للجولة السابعة من الحرب تماما كما فعلوا في الجولات السابقة.
فريق آخر يرى أنه ما دام أن الحوثي قد أعلن موافقته على الشروط الستة التي وضعتها الحكومة لإنهاء الحرب، ثم موافقته على الآلية التي وضعتها الحكومة لتنفيذ هذه النقاط فإن المهمة قد أنجزت بالتزام الحوثي بالشروط الستة التي وضعتها الحكومة اليمنية.
الحديث هنا عن رؤيتين داخل المجتمع اليمني وربما بعض مراكز صناعة القرار في القيادة السياسية، غير أن الحوثيين بالطبع لهم رؤيتهم التي تتلخص في أنهم حققوا «نصرا إلهيا» شبيها بـ«النصر الإلهي» الذي حققوه قبل أسابيع ضد القوات السعودية عندما اندحروا بفعل ضربات هذه القوات إلى داخل الحدود اليمنية.
وبغض النظر عن التباينات في هذا الصدد، فإن الحرب قد وضعت أوزارها وبقي أن يلتفت الجميع إلى تحديات ما بعد الحرب، فاليوم الأول من مرحلة ما بعد الحرب أصعب بكثير من اليوم الأول للحرب نفسها.
لا شك أن الحكومة تدرك أن التخلص من آثار الحرب هو من أولى مهامها بعد الحرب.
البدء ببرنامج شامل لإعمار صعدة مطلوب، إعمار صعدة هو الذي سيخفف من حدة التطرف وسيسد الأبواب أمام الحوثيين لتجنيد الشباب واستغلال حاجتهم المادية للزج بهم في ميادين القتال، أدرك أن البلد يمر بضائقة اقتصادية حادة ولكن إعمار صعدة ينبغي أن يكون ولو على حساب الضروريات اليومية، ومع ذلك فإن المانحين يدركون ما تعانيه البلد من أزمة اقتصادية، ولا شك أن مبالغ قد خصصت لغرض إعمار صعدة سوف تسهم في حل المعضلة.
وفوق ذلك فإن اليقظة إزاء محاولات الحوثي للتملص من التزاماته مطلوبة. استمرار التنسيق مع الجانب السعودي خلال الفترة القادمة ضروري لمراقبة الحدود وضبط أي محاولة من قبل الحوثي لإعادة بناء ميليشياته. عدم تخلي القطاعات العسكرية عن جاهزيتها وعدم سحبها من مواقعها في الخطوط الأمامية للإشراف على تنفيذ النقاط المتفق عليها.
ضبط تجارة الأسلحة أصبح ضرورة ترقى إلى مستوى العمل الوطني لأن أغلب أسلحة المتمردين الحوثيين كانت من السوق المحلية، ولم يكن ينقص الحوثيين إلا المال الذي لا شك أنهم حصلوا على الكثير منه، متابعة أمنية دقيقة للتحويلات المالية التي لا شك أنها قد أتت للحوثيين من جهات تعرفها الحكومة اليمنية جيدا، هذه المتابعة مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة، من حق اليمن أن تجفف منابع الإرهاب المالي داخل أراضيها على الأقل.
إتاحة الفرصة للحوثيين وتشجيعهم على ممارسة العمل السياسي في إطار عملية سياسية تتسع للجميع، ليس هناك ما هو أكثر فاعلية من الممارسة السياسية لدحض الأفكار أو تقويتها، الأفكار العنصرية ستسقط في معترك العمل السياسي، التوظيف الذكي للدين من قبل الحوثيين لستر سوأتهم العنصرية والطائفية سينكشف مع الأيام مع الممارسة السياسية.
البدء ببرامج ثقافية منظمة ومخطط لها لمواجهة أفكار التطرف والاستعانة بعدد من الشخصيات الاجتماعية والدينية لنشر ثقافة التسامح والأفكار الوسطية في الإسلام وبيان خطر الأفكار الدخيلة على المجتمع اليمني المتسامح أمر لا مفر منه.
ثم ماذا؟
آن الأوان بعد كل التجارب المريرة التي خاضها اليمن، آن الأوان لبناء مؤسسات الدولة على أساس من الكفاءة والشفافية، ليس لنا مفر من بناء دولة القانون إذا أردنا الخروج من المآزق والمطبات. كل ما واجهنا في الفترات الماضية إنما هو انعكاس لغياب سلطة القانون وانتشار الفساد وبروز ظواهر الفوضى والارتجال في معالجاتنا للأزمات التي مرت بها البلاد. لا مفر - كذلك - من وضع حد لقبْيَلة المجتمع، لا بد من التوجه لبناء وترسيخ مؤسسات المجتمع المدني والعمل على تحديث المجتمع بالاهتمام بجهاز التربية والتعليم في إطار سياسة عامة للقضاء على ظواهر الانحياز إلى القبيلة أو الطائفة أو السلالة أو المنطقة الجغرافية.
لم يفت الأوان بعد، لا مكان للتشاؤم، الوضع مأساوي لكن تغييره لا يحتاج إلى معجزة توراتية، هناك بلدان قامت من الصفر في فترة وجيزة واليمن بأشقائها وأصدقائها في وضع يمكنها من تجاوز المحنة.
يلزم اليمنيين اليوم إطلالة بسيطة على تاريخهم ليدركوا حجم الجرم الذي يرتكبونه في حق هذا البلد إذا لم يخرجوه من مرارات الحروب إلى حياة تليق به.
* كاتب يمني مقيم في بريطانيا
* نقلا عن "الشرق الأوسط"
|
|
|
|
|
|
|
|