|
ما أجمل الحديث عن القضايا الاجتماعية ومواساة الناس والمحتاجين ومن ضاقت بهم السُبُل في انتظار وظائف تساعدهم في التغلب على منغصات الحياة في واقع اليمن المعاصر!.
وهذا التقديم يقودنا اليوم إلى أن نتحدث عن مسجلي الخدمة المدنية في المحافظات اليمنية؛ الذين هم بحاجة إلى لفت الأنظار وكتابات المقالات عنهم وعن معاناتهم وانتظارهم للتوظيف على أحرّ من الجمر؛ فمنهم من أرجع التوظيف إلى القضاء والقدر، ومنهم من ذهب يعمل في مهن حرة أو حرفية لا يتسع المقام للتفصيل فيها، وأغلبهم تحملوا مسؤوليات، ولهم أسر ينتظرون وظائف معيليهم، وبعضهم يردون اللوم على السياسة الخرقاء السابقة والحكومات اليمنية المتعاقبة التي اتخذت أشباح الوساطة والرشوة والفساد وسيلة لذر الرماد على العيون ودر الأموال وتوظيف الأغنياء وأصحاب المعرفة والجاه والسلطان والمشيخة، والطالب المتخرج الفقير والمسكين والكادح له الله وغول طول الوقت، وهذه حقيقة صادقة يعرفها الكثيرون.
ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن عدد المجددين من طالبي التوظيف لجميع المحافظات اليمنية عبر موقع وزارة الخدمة المدنية والتأمينات حتى عام 2013م بلغوا (141597)، وهذا عدد مهول جداً، ولما قرأت ذلك أصبت بالذهول ثم أحببت أن أوجه أسئلة للمعنيين مفادها: ما هي الخطوات والإجراءات والوسائل التي ستستخدمها الحكومة لاستيعاب هؤلاء المجددين وتوظيفهم ومن ثم دمجهم في سوق العمل وخدمة الدولة أو الحكومة بدلاً من شنق ملفاتهم في أروقة مكاتب الخدمة المدنية دون رقيب أو حسيب؟. وكيف نخفف من تلك الكثرة؟ ثم كيف نستفيد من هؤلاء المسجلين ونوجههم توجيهاً سليماً نحو التطوير والبناء والنهضة ونستفيد من قدراتهم وإمكاناتهم؟.
والإجابة على تلك الأسئلة تملأ مجلدات؛ لكن أقترح ثلاثة أشياء تصب في مصلحة المسجلين في الخدمة المدنية وفي مصلحة الحكومة بشكل خاص والدولة بشكل عام وتحصل الفائدة المرجوة، وأولهما: على الحكومة الحالية أن تضع صندوقاً مالياً لدعم تلك الفئات ومواساتها ولو بجزء بسيط من المال؛ وتسميه (صندوق دعم المتخرجين)؛ كي يشعروا بسعادة غامرة عندما يعرفون أن هناك أملاً قادماً وتفاؤلاً مستقبلياً مبشراً بدولة نظام وقانون مليئة بالرحمة والمواساة وجبر الأضرار وإعطاء كل ذي حق حقه.
الاقتراح الثاني فرضه واقع الحال، ويتعلق بالتسجيل في التعداد السكاني للسكان والمساكن والمنشآت للعام 2014م؛ حيث سمعنا بتسريب استمارات تسجيل في التعداد السكاني، وتم تسجيل أناس غير مؤهلين في أماكن التسجيل؛ وبعضهم موظفون في الدولة، وبعضهم جاءوا بتوصيات من قبل فلان أو علان من الناس، بحجة إدخالهم ضمن القائمين في تلك المهام الوطنية؛ الأمر الذي شكّل ازدحاماً كبيراً في أماكن التقديم، ناهيكم عن عدم المعيارية أو المصداقية التي أخبرنا بها العديد ممن ذهبوا إلى التسجيل هناك، والدليل على ذلك ما حدث مؤخراً في محافظة تعز وغيرها من المحافظات في المراحل الأولى للتسجيل.
وعليه أقترح أن تتم العودة إلى كشوفات المجددين في الخدمة المدنية ويتم اختيارهم من هناك للقيام بتلك المهام، ويتم تدريبهم للعمل في كل مراحل التعداد إشرافاً وترقيماً وعداً، الأمر الذي سيوفر الوقت والجهد، وستظهر الأمانة والنزاهة، وسيتم التعود على فعل الخير والنظر إلى المحتاج والصابر سنين بين أبواب الخدمة من أجل الفوز بوظيفة تزيل عنه وعثاء الانتظار والحنين، وهذا الاقتراح أنسب وأضمن وفيه شفافية ونزاهة نوعاً ما، وفيه نوع من الإنسانية والتكريم لهؤلاء المسجلين.
الاقتراح الثالث - وهو الأهم - أن تصاغ الخطط والبرامج الحقيقية لاستيعاب المسجلين وفق أهداف حقيقية تطبق على أرض الواقع وليس على الورق.
خلاصة القول: يجب أن يلتفت مسؤولو اليمن الجديد إلى هذه الشريحة المثقفة المتألمة والصابرة، وأن يختاروا أنسب الحلول لإعانتهم وتقديمهم على أي أناس، ولا ينهض اليمن الجديد إلا بالعلم والعلماء، وإذا حضر الجوع والفقر تدهور العيش وغابت الأمانة والمسؤولية ولم يُلتفت إلى أي محتاج، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً؛ لأن هناك أناساً في رغد العيش وفي وظائفهم منعمون وشابعون، وهناك جيران لهم من المسجلين في الخدمة المدنية بحاجة إلى عون ومساعدة، وليكن العون والمساعدة من باب استشعار حقوق الجار سواء كان جاراً قريباً أو بعيداً؛ مصداقاً لما رواه الطبراني في الكبير عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)، وقال العلماء في شرحه: (ليس المؤمن الكامل بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم؛ لإخلاله بما توجب عليه في الشريعة من حق الجوار، والمراد نفي كمال الإيمان؛ وذلك لأنه يدل على قسوة قلبه وكثرة شحه وسقوط مروءته ودناءة طبعه).
Salahiz15@gmail.com
في الأربعاء 05 مارس - آذار 2014 09:31:01 ص