|
حضور اليمن في جائزة الأوسكار، يؤكد ما قلته دائماً: إننا بلد فانتازي بامتياز. ذات يوم وصف نبي السوريالية الشاعر الفرنسي أندريه بريتون أن المكسيك هي أرض السوريالية، لكنه إذا عرف اليمن، سيتأكد ان اليمن أكثر سوريالية من أي بلد آخر. لكن لماذا؟ فاليمن لا وجود لها في صناعة السينما. تكاد تكون هامشية. حتى إذا صنفنا الفيلم اليمني الذي رشح للأوسكار باعتباره ضمن الأفلام الوثائقية القصيرة، إلا أنه لم يسبق لأيًّ منا التفكير مطلقاً بأن بلدنا ستتواجد في أكثر الجوائز العالمية أهمية وشهرة. فالبلد الذي وئدت فيه السينما قبل أن تلد، يحضر في الأوسكار. حقاً هناك حضور لفلسطين، وتونس، لكن للبلدين تاريخ في السينما. أما هنا فدور العرض القليلة صارت مهجورة وملاذاً للفئران. لذا فالسوريالية كملاذ لعالم الأحلام، لتداعيات اللا وعي، تتحقق في اليمن كحقيقة. والفرنسي لويس أراغون تحدث عن كتابة أوهام أكثر صدقاً من الحقيقة، ستتحقق مقولته هنا، باعتبار أن عوالمنا تجهد نفسها في واقعيتها بما أنها أكثر تداخلاً بالوهم.
لكن هل يعني إننا لا نستحق أن نحضر في جوائز الأوسكار؟ بالطبع لا، فالفيلم عند تواجده بصناعة على السجادة الحمراء لمسرح الكوداك الشهير، حيث طقوس الحج السينمائي الأهم في العالم، حيث هوليود مركز صناعة السينما في العالم، يعني أن اليمن تستحق أكثر مما نتصوّر.
هل أنا في لحظة إغماء وطنية تصيبنا حتى نفقد موضوعيتنا؟ ربما كذلك ما يحدث لي. لأنني منذ اللحظة الأولى لظهور إسم مرشح يمني في الأوسكار، هذا البلد المعزول وغير الواقعي الذي لا يمت لعالم السينما بصلة إلا كنوع من طقوس الحلم، شعرت بالسعادة. وهذا لا يعني إننا سنبدأ في سرد يغالي بنشوة الوهم، أي أننا في لحظة مجد وطني. لا تُقاس الأشياء بتلك التصورات الوردية، ولا بالتقليل المتجهم. فهذا التواجد تكريم لبلد يستحق أن يتواجد في خارطة الحداثة. يستحق أن يعيش، ويغنّي، بعيداً عن كل ميكروبات التطرف والشوفينيات الدينية والعصبويات. وأكثر من ذلك هو احتفاء بصناعة، أي أنهم هم أصحاب الإنجاز الحقيقي بما أنهم أبدعوا من لحظة مهمة في تاريخنا، أي الحدث المأساوي لقتل محتجين عُزّل، وجعلوها مادة توثيقية مبدعة استطاعت التواجد في أشهر محفل سينمائي على الإطلاق.
إنهم يستحقون التكريم. حتى لو لم ينجح الفيلم، لكن حضوره بحد ذاته إنجاز يتسابق عليه المنتجون في تاريخ السينما. كما أن مغامرتهم الإبداعية ستفتح الباب على مصراعيه لولادة فنون حديثة في اليمن. حتى على مستوى أعمق، سيساعد هذا التواجد علىهدم الدونية التي كرّسها تاريخ سياسي أسود لقرون عدة. فاليمني يمكنه أن يصنع أشياء ملهمة، أن يكون عنواناً لافتاً في مسرح الخلق والابتكار. ففي السنوات الأخيرة، تتوهج اليمن في أذهان العالم كأحد أخطر البلدان أمنياً. تحضر ذكراها كملاذ لمتطرفي القاعدة، لتواجد الميليشيات الدينية والقبلية، بأنها بلد عاجز عن تحقيق الحياة لأبنائه.
ذات يوم التقيت بفتاتين من التشيك، كنت وصديق صربي وآخر أفريقي من زامبيا، فأكدت معرفتي بكتّاب تشيكيين معروفين، مثل كافكا وكونديرا. لكن ماذا تعرفان عن اليمن الفتاتين، قالتا بأنهما تشعران بالإحراج بما أنهما لا تعرفان عن بلدي شيئاً وأنا أعرف، لكن ماذا ستعرفان عن اليمن؟ حتى التشيك على عكس الفرنسيين والإنجليز والألمان وكذلك الروس، بما أنهم ينتمون إلى بلدان عظمى من الناحية الثقافية كما السياسية، أي أن معرفة العالم بهم مفترضة مسبقاً، لكنه ليس شعوراً تشيكياً، مع أن كافكا ككاتب أصبح من المسلّمات الأدبية في القرن العشرين.
وبالنسبة لنا في اليمن سنتساءل: ألا نستحق كي يعرفنا العالم بأشياء معاصرة، غير الإرهاب والتطرف الديني والطائفي، أشياء لا علاقة لها بالعنف والتدهور الإنساني والثقافي. ربما استطاع فيلم «كرامة بلا جدران» ولو أن موضوعه أيضاً تراجيدي، فهو أيضاً يلفت الأنظار لوجود يمن آخر ليس ما هو مطبوع في أذهان العالم، يمن يتطلّع إلى الحياة ويستحق أن يعيش.
في الخميس 06 مارس - آذار 2014 08:23:13 ص