|
ليس وقت المحاسبة اليوم، لكن هذه السياسات هي من جلبت أعين العالم علينا، وهي نفسها التي جعلت الآخرين يعتبرون البلد مكاناً وملاذاً آمناً للخارجين على القانون، وأن مناطقنا يمكن أن يسرح ويمرح فيها من يشاء ومتى يشاء وكيفما يشاء. فالدولة مسلحة ورجالها مسلحون، ومحاطين بحراسات لا حصر لها ولا عد، والقبائل مسلحة ولديها من الأسلحة ما يجعلها تزود أي جيش في أي بلد في العالم، بدءاً بالسلاح الصغير وانتهاء بالسلاح الثقيل. وهناك مشايخ نافذون في مناطق مختلفة من البلاد، يهجرون سكان قرى بأكملها دون خوف من الله ولا من الدولة، وعلى مرأى ومسمع من مسؤولي البلاد، بل إن كل من يفكر باقتناء السلاح ليس عليه سوى الذهاب إلى أقرب سوق لشراء السلاح وتكديسه في منزله لحماية نفسه وأسرته.
وتجربة الدولة مع "الحوثيين"، الذين يقودون تمرداً على الدولة منذ سنوات، نموذج للعقلية التي أدارت بها السلطة قضية السلاح في البلاد. فهاهو الشعب اليوم، يدفع ثمناً لهذه السياسة في حرب عبثية تدور في صعدة منذ ست سنوات، ولدينا تجربة أخرى مع تنظيم "القاعدة" منذ نهاية تسعينات القرن الماضي. وهناك من صار يقتل بموجب الهوية الشخصية في مناطق أخرى من البلاد، من دون قدرة على ضبطه وردعه، ناهيك عن محاسبته. وغداً، يعلم الله أي قوة ستخرج على الدولة وتعلن عصيانها عليها!
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل صرنا بحاجة إلى مثل هذه الضربات التي تقع على رؤوسنا اليوم في أماكن كثيرة، لنعرف أن امتلاك السلاح خطر على المجتمع؟ هل نحتاج إلى استنزاف هذه الأموال الطائلة والأرواح التي تسقط في صعدة من الجنود والحوثيين وفي مناطق أخرى من البلاد حيث القتل بالهوية، وحيث الثأر يحصد المئات من الأبرياء كل يوم في مناطق الريف والحضر على السواء، لكي نعرف بأننا كنا مخطئين في إدارتنا لقضية السلاح؟
نحن نحتاج إلى إعادة نظر في سياستنا بعد هذا النزف الحاد لأرواحنا في كل مكان، ليقنع نواب الحزب الحاكم في البرلمان ناخبيهم ويخرجوا قانون السلاح من أدراج البرلمان ويتم إقراره على وجه السرعة، عوضاً عن إبقائه حبيس الجدران منذ عدة سنوات.
التأخير في هذه المعالجات سيجلب لنا الخارج إلى بيوتنا، ونحن نعلم بأن أعين العالم صارت تتركز علينا هذه الأيام، بخاصة بعد التطورات الأخيرة، فهل تستغل الدولة هذه الأجواء لتبدأ بتطبيق إجراءات حازمة لمنع حمل السلاح في المدن والريف على السواء، والتخلي عن مفهوم أن السلاح "زينة الرجال"، لأنه مفهوم أثبت أنه يمنح القتلة تصريحات مجانية بالقتل؟
في الثلاثاء 12 يناير-كانون الثاني 2010 07:40:07 م