نحن كمسلمين، نرى أن الأمن قبل الإيمان، ولا ينحصر هذا الفهم على أن الدين الإسلامي الحق يقوم على إنسانية الإنسان وصونها حقوقاً وعدلاً ومساواة، فتعاليمنا الإسلامية على لسان الرسول الخاتم تعلمنا ذلك ،كما علمتنا تجارب الحياة أن الأمن أولاً، وأن لا شيء يتحقق بدون الأمن.
من هذه المقدمة أنتقل إلى بعض ما دار في مجلس جمعنا بالسفير الكندي في اليمن -غير المقيم- يوم الثلاثاء 4/ 3/ 2014م في منزل الصديق عبدالملك علي زبارة القنصل الفخري لكندا..
وبما أن من البديهي أن يدور الحديث وأسئلته وإجاباته حول الوضع الراهن في اليمن، ومؤتمر الحوار ومخرجاته، والانتقال إلى الأقاليم الاتحادية ودستورها، وما هنالك من عراقيل ومعوقات.. فإن التقاليد التي تقضي بأن الكلمة أولاً للضيف، قد أفسح المجال للسفير غير المقيم أن يتحدث مبرهناً على المتابعة والإلمام بما يجري في اليمن ،مختتماً حديثه بقوله: أمامكم في اليمن شيئان مهمان جداً هما الأمن والاقتصاد، وهذا ما كان يؤكد عليه في إجاباته على كثير من الأسئلة التي وُجهت إليه..
وبما أن الأمن مسئوليتنا قبل غيرنا كيمنيين.. فإن الوضع الاقتصادي الصعب الذي نمر به بحاجة إلى مساندة ودعم من أصدقاء كبار، فقد سألته عما يمكن أن تدعم به كندا أصدقاءها في اليمن في مجال التنمية والاستثمار، فكان ملخص إجابته هو، ما ستقدمه الحكومة الكندية لا يتعدى الجوانب الإنسانية حيث تم اعتماد ثلاثة عشر مليون دولار لهذا الغرض، أما الشركات الاستثمارية في كندا فإنها تابعة للقطاع الخاص.. بما في ذلك شركة كنديان نكسن التي صارت مملوكة للصين.. عليكم بالأمن، وعندما يطمئن المستثمرون للأمن سيأتون من كندا وغيرها..
وهكذا نعود إلى الأمن أولاً، حتى عندما سألناه عن نظام الأقاليم والاتحادية الفيدرالية والاستفادة من تجربة كندا، أجاب بأن هناك ثماني وعشرين دولة اتحادية لا تتطابق في تجاربها، بل لكل منها تجربتها حسب خصوصيتها، ولتكن لكم في اليمن تجربتكم الاتحادية النابعة من خصوصياتكم، وهذا يتطلب أن يحتوي دستوركم الاتحادي على ما هو ثابت وما هو مرن قابل للتكيف مع المستجدات التي ستأتي بها التجربة.. وأضاف بقوله: يمكن أن تواجهكم بعض المشكلات فيما يتعلق بالجنوب..
وهنا أحسست أنه يعني أكثر من مسألة ومنها الأمن والاستقرار، ودارت في خلدي أمور متعلقة بجنوب الوطن وشرقه، وأولها الأمن المُهيىء للمعالجات المطلوبة مما جعلني أشرد بذهني عما في المجلس واستحضر حصافة وحكمة الرئيس عبد ربه منصور هادي في محاصرة العنف وإسكات فوهات البنادق والمدافع في شمال الشمال وما يتوجبه الحال من معالجات في جنوب وشرق الوطن، لم تعد محتملة على قلب ينبض بحب اليمن وضمير يحس بآلام أوجاع أبنائه.
إن ما يشهده شمال الشمال من حصافة الرئيس هادي التي أشادت بها مجموعة الأزمات يزيد من تطلعنا، بل مناشدتنا أن تعطى المناطق الجنوبية والشرقية ما تستحقه من هذه الحصافة والحكمة، خاصة ونحن نرى نزيف الدم الذي لم يتوقف، وإزهاق الأرواح البريئة، وحسرات القلوب التي تتفاقم مآسيها.
في كل يوم ضحايا وأيتام وأرامل وثكالى، لا أبالغ في الأمر إن قلت إنها تفوق ما تحدثه حرب نظامية مع عدو خارجي، أو حرب مواجهة بين طرفين، بل تفوق بأضعاف مضاعفة ما شهده صراعنا مع المستعمر البريطاني منذ احتلاله لهذا الجزء الغالي من الوطن وحتى حرب التحرير (من 1963 حتى 1967م) فهذه إحصائية بريطانية حصلت عليها، تقول والعهدة على واضعها ما يلي:
عند اقتحام مدينة عدن من قبل القوات البريطانية في العام 1839م، كان عدد القتلى من الانجليز خمسة عشر قتيلاً و(139) من المدافعين عن عدن، خلال النضال المسلح من العام 63 - 1967م قتل من البريطانيين (44) قتيلاً عسكرياً وجرح (337) وقتل من المدنيين البريطانيين (9) أشخاص وجرح (34)، وقتل من العرب -أي من اليمنيين- (119) وجرح (123).
قد لا يصدق البعض هذه الإحصائية، ولكنها هي الموثقة في السجلات الرسمية وهي الإحصائية التي لو توفرت أمامنا إحصائية رسمية دقيقة أو من جهة محايدة تشمل قتلانا وجرحانا من العسكريين والمدنيين في جنوب الوطن وشرقه جراء الاقتتال فيما بيننا -أو بين الإخوة في الهوية والدين والوطن- خلال أربع سنوات فقط، لوجدنا أن ما نفعله بأنفسنا يفوق بأضعاف مضاعفة ما فعلناه بقوات الاحتلال البريطاني وما فعلته بنا..
لإخواننا في المحافظات الجنوبية وشرقها، قضيتهم ومطالبهم التي لا ينكرها إلاّ مكابر كما لا يستعصى حلها داخل البيت الواحد، فما الذي أوقعنا في شرك من يريدون الدمار لليمن أو الوجه الذي أشرق ذات يوم من جنوب الوطن العربي؟؟ ومن استمرأوا أكل لحومنا بأفواهنا، ويعملون على ألاّ نشبع من لحومنا..؟
لا أعتقد أن هناك ما يبرر ما نفعله بأنفسنا وما نلحقه بأجيالنا القادمة من أذى ،خاصة بعد مرور العام والعام على ما يجري وما يحدث من مآسٍ تدخل الألوف من البيوت والقلوب الموجوعة، فأين الحكمة اليمانية..؟!
شيء من الشعر:
حَذَارِ تُثنيك شياطينهم
عن أصدقِ الناسِ وأهل العقولْ
وانظر إلى الأمر مليّاً فما
رأي حكيمٍ كقرارٍ عَجُول
ومن أضاعَ الحَزْمَ في وقْتِهِ
يوماً، فقد نامَ بَمجْرى السيول
في الإثنين 10 مارس - آذار 2014 08:42:45 ص