يومان مع الحراك
دكتوره/رؤوفه حسن
دكتوره/رؤوفه حسن
 

كلمات ومفاهيم الحراك، الانتقال، التحرك، المحركين، المتحركين، الحركات، الحركة .. باللغات العربية والانجليزية والفرنسية هي ما قضيت يومين استمع إليه وأناقش مع متخصصين الأوراق العلمية المقدمة عنه.

وقبل أن يذهب بكم التفكير إلى جماعة ما يطلقون على أنفسهم الحراك في اليمن فتظنوا أن البحث العلمي قد أخضعه للبحث والدراسة، وأن المختصين في اليمن قد أنجزوا هذا النوع من التشخيص خارج مقالات التطبيل والتأييد أو مقالات الشتم والتهزيء فإنكم مخطئون. فالحراك الذي أتحدث عنه هو نوع آخر، يأتي في إطار النظريات العلمية للعلوم الاجتماعية التي تسمى "الحراك الاجتماعي".

والمقصود بالحركة هي الانتقال من مكان إلى آخر أو من مكانة اجتماعية إلى مكانة اجتماعية أخرى. ومجال التركيز في الأساس على الاتجاهات الرئيسية للحراك الدولي والإقليمي في المنطقة العربية ، وخاصة تحرك الطلاب والأساتذة بين الجامعات واليها في العالم.

ومن النقاط الهامة هي تلك التي تتعلق بالحراك الطلابي والأساتذة ذات الصلة بمستويات ومكانة الذين ينهون الثانوية ويتمكنون من الالتحاق بالجامعات، لنجد أن الجامعة صارت مكانا محصورا على الذين يملكون، رغم وجود جامعات عامة تصرف عليها الدولة لتحقيق مبدأ مجانية التعليم. هذه القضية واحدة من القضايا الكثيرة التي يواجهها الناس في أغلب الدول العربية والتي تم تدارسها في هذا اللقاء.

إحدى نقاط الإثارة هي تلك التي تأتي في إطار التحرك بين جامعات العالم سواء عن طريق المنح أو عن طريق قيام الأهالي بالصرف على تعليم أبنائهم وبناتهم فإن فرص الحصول على وظائف بعد التخرج صارت أكثر صعوبة يوما بعد آخر، رغم أن ما يصرفه الأهالي على تعليم أبنائهم صار أكثر مما تصرفه الدولة على التعليم رغم كبر حجمه.

الصورة لها أبعاد أعمق:

لأن الشيء بالشيء يذكر، ففي المناقشات المختلفة كانت ببعض الأسئلة تتشكل في ذهني فلا أجد لها ردا. على سبيل المثال تشكل قصة الطالب النيجري الذي أراد تفجير طائرة أمريكية متجهة إلى ديترويت حيث تسكن معظم الجالية اليمنية في ميتشجن قضية تجعلنا نسأل عن هذا الحراك للطلاب إلى اليمن. طلبة يتعلمون اللغة وآخرين يتعلمون الدين.

هذا شكل من الحراك يحتاج إلى تشخيص علمي، فلا توجد حسب علمي دراسات تشخيصية لمدى الإقبال الخارجي على التعلم في اليمن ولا عن أسبابه. فمثلا أعتقد شخصيا أنه لا توجد مواقع في العالم تقدم منح وتسهيلات لتعليم اللغة أو الدين ولا حتى في الأزهر أو في مكة كما يوجد في اليمن.

يفترض هنا، إذا كانت في اليمن حركة تنقلات تعتمد على الأساتذة والطلاب الآسيويين وخاصة من ماليزيا، وأفريقيا بشكل عام فإن المعلومات عن مواقع سكنهم وطرق حياتهم والجهات التي تقدم لهم الخدمات يجب أن تكون معلنة ومعروفة، كما يفترض أن تقام الندوات لتدارس أوضاعهم والتسهيلات المقدمة لهم.

فهذا النوع من الحراك بالتصور الايجابي للأمور يمكن توظيفه كبديل عن السياحة ولخدمة المرافق السياحية، حيث يمكن العمل على تأمين مواقع سكنية ميسرة وخدمات ملائمة من شأنها أن توفر فرص عمل لليمنيين ومن شأنها أن تزيد من حالة الإقبال على اليمن من قبل الآخرين في نفس الوقت.

كما أن هذا الحراك بالتصور السلبي للأمور يمكن الحد من مخاطره ومعرفة أبعاده وتنوير الناس بالسلوكيات التي عليهم اتباعها في حالة خامرهم الشك ببعض أفراده.

الحركة بركة:

حسب المقولة المشهورة "إذا كنت لا تعرف إلى أين تسير فكل الطرق متشابهة". أن تتحرك من مكانك فلابد أن تكون على معرفة إلى أين تريد الذهاب وإلا فالجلوس في نفس المكان أقل خسارة. لكن البعض يقولون أن في الحركة بركة ويتحركون لمجرد الحركة.

عند الاستماع إلى الأرقام عن عدد العرب الذين يذهبون إلى الخارج للتعلم ثم لا يعودون، والأرقام عن عدد الذين يعودون فلا يجدون لهم مخرجا أو مكاناً، وعدد العرب الذين يحلمون بالذهاب فلا يستطيعون، نفهم لماذا يزداد الحديث عن حرس الحدود وعن سياسات الحد من الهجرة وعن الأسوار الجديدة التي تنشأ بين الشعوب. يبدو العالم وكأنه في حالة مخاض، ليست القضية محلية فحسب بل قضية إقليمية ودولية. وتبدو مواقع الولادة أماكن محدودة الصلاحية بالنسبة لسن الشباب يحتم الظرف المعيشي التحرك منها إلى غيرها.

لذا نجد الحراك من الريف إلى المدن يحول المدينة إلى موقع لا يستطيع اللحاق بالوفاء بالخدمات. ونجد الحراك من مدن صغيرة إلى مدن أكبر لعل فرص العمل والثراء تتاح. أما الحراك من بلدان الفقراء إلى البلدان الغنية فإنها تكملة أحلام الشباب. إنه واقع الحال، ومما لم يعد من غيره يستقيم الحال.

raufah@hotmail.com


في السبت 16 يناير-كانون الثاني 2010 08:15:12 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=104