النجاة من سيف التكفير.. بادعاء الشرك بالله

ليس لهذا الموضوع صلة بقرار المملكة العربية السعودية -الصادر في الـ7 من مارس الجاري- باعتبار الجماعات الإسلامية ممثلة في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين جماعة إرهابية والدعوة إلى تصنيفها كذلك ليس داخل المملكة فقط، ولكن حيثما تواجدت. 
إنه عبارة عن خاطرة تأملية اصطادها خاطري مما يجزم به كثير من الباحثين والمفكرين ويحكمون بأن التطرف الديني في التاريخ الإسلامي تعود جذوره إلى حركة الخوارج «نشأت في أواخر الخليفة عثمان وبداية عهد الخليفة علي رضي الله عنهما».. 
بل هي رغبة مني بالإدلاء بدلوي في التعريف بعوامل ودوافع أو مكونات التطرف الديني وكيف ينحو منحى العنف والإرعاب، وهو رأي شخصي ملخصه: 
التطرف الديني، نوع من أنواع الشذوذ الفكري نتيجة الجهل بجوهر الدين -أي دين- والأخذ بقشوره والانغلاق في دائرة الذات والجماعة الضيقة بمفهوم زائف ومعتقد خاطئ بأن ما تم الاطلاع عليه من شئون الدين عن طريق التلقين هو الحق لا سواه، وهو كل الدين وعلومه.. ومن يرى غير ذلك أو المخالف لهذا المعتقد هو على خطأ وضلالة من الواجب إخراجه مما يعتقده وإن بالقوة. 
ومن الانغلاق هذا والاكتفاء بالقشور - البعيدة كل البعد عن الجوهر- والنظر إلى الآخر أو غير الموافق في المعتقد كضال ومارق تتولد نزعة الإرعاب التي تتفاقم لتصل حالة الأخذ بالعنف المتمازج بالشذوذ الفكري، المؤدي إلى عدم التردد في أن يُرخِصَ المصاب بهذا الداء، نفسه وحياته، قبل إهداره للآخر وحقوقه بما فيها حقه في الحياة، في سبيل معتقد خاطئ متطرف.. 
وإذا ما بحثنا عما يفاقم هذه الحالة والقناعة بما تولده في الذات المصابة، نجد عاملين رئيسين، أولهما، عندما يتماهى هذا المفهوم المتطرف مع تذمر من وضع أو نظام، أو رفض لمستجد له صلته بما هو ديني عقائدي، كما هو شأن الخوارج وتذمرهم مما اعتبروه انحرافاً أموياً بالإسلام وأسس الحكم فيه، ثم رفضهم للتحكيم المشهور بين الإمام علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- وبين معاوية بن أبي سفيان، وأمَّا الثاني فعندما يتم استغلال الجهل بجوهر الدين والاكتفاء بقشوره -لدى المتطرفين دينياً- من قبل تيارات ذات هدف معين لها صبغتها الدينية أو تجعل من الدين شعاراً يُمَكِنَها من استغلال المتطرفين دينياً.. كما تفعل اليوم جهات استخباراتية وأيديولوجيات لها مراميها للنَيْلِ من فئة أو شعب أو أمة، أو إثارة فتنة وصراع -كما تفعل الجماعات الدينية المتطرفة في عصرنا- وما تُلحِقُه ببعض الشعوب العربية والإسلامية باسم الإسلام الذي تدّعي عن جهالة تفردها بفهمه ورفع رايته.. 
نعود إلى الخوارج، لاقتباس دليل على ما أشرنا إليه، مستعينين بموقف حدث للعالم المعتزلي المجدد واصل بن عطاء (131هـ - 748م)، فقد عُرف الخوارج بتدينهم وزهدهم وكثرة عباداتهم حتى أنهم لُقِبُوا بذوي الحبات السوداء لكثرة صلاتهم، إلاّ أن انحصارهم على القشور، وعدم معرفتهم الكاملة بجوهر الدين قد دفعهم إلى التطرف الديني الذي اقترن بتذمرهم من حكم بني أمية -كما أسلفنا- قد حبب العنف إلى قلوبهم كما تعطشت سيوفهم لمن يخالفهم الرأي، فقد عُرف عنهم أنه «كان قتالهم لمخالفيهم من الأشواق التي تجذبهم إلى مزيد من التضحية والموت، وهم يعتبرون أنفسهم المسلمين حقاً دون سواهم..» وكانوا لا يترددون في قتال من لا يوافقهم على رفض التحكيم الذي وافق عليه الإمام علي بعد رفع المصاحف من قبل أتباع معاوية كحكم بين الجانبين، حيث قالوا إن معاوية لم يفعل ذلك إلاّ هرباً من الهزيمة، كما أن معاوية باغٍ ومتمرد مارق، وقد ورد في القرآن ما يحكم على أفعاله، وعلى جيش الشام الذي خرج معه، بذلك البغي، فكيف نقبل التحكيم معه وقد صدر حكم إلهي بمروقه عن الدين، ولهذا رفع الخوارج شعار «إن الحكم إلاّ لله» وهو الشعار الذي قال عنه الإمام علي «كلمة حق أريد بها باطل» أي أنهم غلَّبوا دوافعهم على فهم جوهر الدين.. وتطرفوا في التمسك بقشوره.. وهذا ما فطن إليه واصل بن عطاء عندما كان مسافراً مع أحد تلاميذه.. فواجهوا في طريقهم نفراً من الخوارج المعروفين بعدم التردد في قتل مخالفيهم، خاف التلميذ وقال لأستاذه واصل بن عطاء: إنهم خوارج وسيسألوننا عن موقفنا من التحكيم.. وغيره من الأمور، وإذا ما قلنا رأينا فسيقتلوننا، قال له أستاذه: لا تخف.. سأكفيك شرهم، وعندما اقتربا منهم وسألهم الخوارج عن التحكيم وعلي ومعاوية، قال لهم واصل: لا شأن لنا بالتحكيم وخلفائكم، نحن مشركان، والله سبحانه يقول «وإن أحداً من المشركين استجارك فأجِرْهْ حتى يسمع كلام الله فأبِلْغُه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون» فهل تجيروننا كما أمركم الله..؟! فأجاروهما وتركوهما وشأنهما. 
هكذا تخلص واصل بن عطاء من تطرف وعنف الخوارج بادعاء الشرك، لعلمه بتدينهم الشديد، ولكن بمفاهيم من انحصر على القشور، وابتعد عن الجوهر. 
من هذا الموقف لإمام المعتزلة واصل بن عطاء، نتعرف على تطرف يجيز قتل مسلم، وردت أكثر من آية قرآنية تُحرِّم وتُجرِّم قتله عمداً وبغير حق، ويجير مشركاً عملاً بآية قرآنية.. وكأن المخالفة في الرأي أخطر من الشرك بالله، عند من أخذ بقشور الدين وابتعد عن جوهره. 
ومن هذه الحكاية أيضاً، نتعرف على ما آل إليه التطرف الديني في عصرنا وكيف صار لا يفرق بين مسلم ومشرك، مؤمن وكافر، بريء ومذنب.. كما تقول الأدلة القاطعة من خلال السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة التي تدمي القلوب.. فهل يترحم الناس على (النبَّاش) الأول كما يقول المثل اليمني..؟! 
شيء من الشعر: 
ما أشبهُ الليلةَ بالبارِحَه 
والدَورةُ الدورةُ للمرْجَحَهْ 
(الخطبةُ الخطبةُ، والجمعةُ الجمْــعَةُ) 
والمسْبَحةُ المسبحهْ 
يا أمُ بلقيس علاَمَ البُكا 
فالقتلُ أضْحَى سِلعةً رابِحَهْ 
إن تسألي عنَّا، فأوجاعُنا 
على ضريحٍ، تَقْرَأُ الفاتِحَهْ

في الإثنين 17 مارس - آذار 2014 09:06:05 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1053