أزمة الثقة.. من المسؤول عنها؟
دكتور/د.عادل الشجاع
دكتور/د.عادل الشجاع
على مدى ثلاث سنوات من الأزمة؛ تم قتل الآلاف من اليمنيين، وفي أعقاب كل مجزرة كانت الروايات تتعدّد والاتهامات تتوزّع بين أطراف مختلفة، مجزرة جمعة 18مارس اختلفت الروايات حولها، متهمون أودعوا السجن وآخرون دخلوا الفرقة ولم يخرجوا منها، وحتى هذه اللحظة لم يقدم شخص واحد للقضاء وفق أدلة وقرائن.
كلنا شاهدنا الضحايا وتبارت القنوات في نقل الصور المرعبة، لكن أحداً لم يقل لنا من هو القاتل الحقيقي بعيداً عن المكايدات السياسية، إن إلقاء الجريمة على أشخاص دون دليل يجعل الحقيقة تضيع ويمنع العدالة من الوصول إلىالقاتل الحقيقي.
لم تكن هذه الجريمة هي الوحيدة، هناك جرائم أخرى لا تقل شأناً عن جريمة جمعة 18مارس كجريمة السبعين وجامع دار الرئاسة وكلية الشرطة ومستشفى العرضي وغيرها من الجرائم الإرهابية؛ أمام كل ذلك مازال المواطن يرتقب تطبيق العدالة وعدم ترك الباب مفتوحاً للاتهامات جزافاً أو المتاجرة بدماء الناس بهدف تحقيق مكاسب سياسية.
ولست بحاجة إلى القول إن كل ما جرى ويجري كان بسبب ما سمي بثورة الشباب الذين تم استغلالهم أسوأ استغلال، حيث مازال الخطاب حتى هذه اللحظة عن ثورة الشباب، في حين أن هذه الثورة أتت بعجائز يعانون كل أمراض الشيخوخة.
ولست بحاجة إلى القول إن الثورة التي يتحدثون عنها كانت سبباً في الانهيارات الأمنية وتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إضافة إلى ذلك تدمير القيم وقتل الثقة فيما بين أفراد المجتمع.
استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تستفيد من الفوضى التي اجتاحت بعض الأقطار العربية، وكانت اليمن واحدة من هذه البلدان التي أصيبت بمرض هذه الجماعة التي استطاعت أن تزرع عدم الثقة في كل من يخالفها الرأي، وقضت على القدوة بوصفه إما عفاشياً أو حوثياً.
لقد دمّرت عامل الثقة في كل من يخالفها؛ لأنها تدرك أن الثقة هي رأس المال الاجتماعي والاقتصادي الذي يربط أفراد المجتمع ويدفعهم إلى الوحدة الوطنية.
لقد جاءت أزمة 2011م ورمت بنفايتها إلى الشوارع على حد قول ساندرا إيفانس، الكاتبة الألمانية؛ فغابت القيم واهتزت الثقة وانقسم الناس إلى ثوريين ولا ثوريين، واستطاعت بعض القوى بما تحمله من ثقافة إقصاء شحن الشارع بالكراهية والحقد، وأفقدت المجتمع مناعة الثقة التي تقيه من أمراض العنف والشكوك وتشطين الآخر.
والمؤسف أننا بعد أكثر من عامين لم نتحرّك في اتجاه استعادة الثقة وتمتين الروابط بين أفراد الشعب اليمني، بل على العكس من ذلك مازال العنف هو سيد الموقف داخل صفوف الثوار المرتبطين أصلاً بالخارج والمنفصلين عن القضايا الوطنية.
وبالتأكيد فلن تكون آخر أفعالهم الحرب الدائرة على مشارف العاصمة صنعاء والعنف السائد في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية، كل ذلك يجري بهدف المتاجرة بالثورة الشبابية، ومنع البلاد من الخروج من الأزمة الأمنية والاقتصادية، مازال الحديث عن الثورة الشبابية في حين أن الشباب لم يعودوا موجودين، فقد تم إقصاؤهم وتدمير نفسياتهم حتى أصبحوا غير قادرين على ممارسة حياتهم اليومية.
نحن لسنا أمام المنطق القانوني؛ بل أمام المنطق الأيديولوجي الذي يحكم المسألة كلها، والمؤسف أن الأحزاب والقوى السياسية التي تحالفت مع الجماعة لم تراجع نفسها حتى هذه اللحظة، بل مازالت تعطي مشروعية لها.
علينا أن نعترف أن نظام علي عبدالله صالح كان مليئاً بالكثير من الأخطاء، وكان بإمكانه أن يحدث إصلاحات لو أنه استمع إلى بعض المصلحين الذين ضُرب بينهم وبينه حجاب، لكننا لسنا بصدد تقييم تلك المرحلة فهي متروكة للتاريخ، ما يعنينا هو اللحظة الراهنة، فهي لا تتحمل الاتكاء على الماضي والتوقف عنده وتحميله كامل المسؤولية.
وإنما المطلوب منها التعامل مع الحاضر والمستقبل ومواجهة الأزمة السياسية بمزيد من تعزيز الثقة، فالسلطة الحالية أمامها فرصة كبيرة لكي تجنّب البلاد مزيداً من العنف والانهيار في أن تعزّز عامل الثقة بين أفراد الشعب، فليس كافياً أن تتحدّث وسائل الإعلام عن مخرجات مؤتمر الحوار دون الحديث عن تطبيقها حتى يشعر المواطن العادي بالثقة، فالثقة ليست بالحديث عن المخرجات بل في تطبيقها.
نحن أمام جماعة تفتقر إلى الفكر والمعرفة، ومن كان منهم على علم؛ كانت الأيديولوجيا تكفي لتحجيم عقله وتحويله إلى انتهازي، لهذا نحن بحاجة إلى ثورة معرفية لتسترد الإرادة إلى هذا الشعب، وتعطيه فرصة حقيقية لصناعة اليمن الجديد.
 لابد من التعامل مع الأوضاع بجدية، فهذه الجماعة لا تستطيع العيش إلا على العنف، فهي تنادي باسترداد حق الشهداء، ولكن بطريقة تضاعف أعدادهم بشكل مستمر، تنادي بالوحدة الوطنية؛ لكنها تعمل على تفتيت الوطن.
إن بقاء هذه الجماعة يعني تدميراً للمؤسسات وانهياراً للاقتصاد والمجتمع، وبقاؤها يعني الذهاب نحو الماضي وليس نحو المستقبل الذي نسعى إليه، لقد قلنا مراراً وتكراراً إنها معادية للدولة، وهي جماعة مسلّحة وإرهابية، ولها امتدادات دلالية حتى جاء القرار المصري والسعودي ليؤكد ما كنّا قد ذهبنا إليه..!!.

في السبت 22 مارس - آذار 2014 07:32:49 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1070