|
هو سؤال بريء، ويعكس شعور الغالبية من أبناء الوطن العربي الذين لم يعودوا يرون في نتائج المؤتمرات المسماة بالقمة ما يرفع من شأنها ويجعلها جديرة بهذا الوصف . فقد صارت منذ عقود اجتماعات تقليدية رتيبة، وغير قادرة على أن ترفع الأمة من الحضيض الذي تردت فيه . وإذا كنا نؤمن بأن الأسماء وحدها لا تصنع الأحداث ولا تغير من صورة الواقع، فلماذا التمسك بهذه التسمية التي اصبحت مدعاة للتساؤل ومصدراً لأحاديث وتعليقات تخلو من التهذيب لدى جمهور عربي مل المؤتمرات ووعودها ودخل منذ سنوات في دائرة من الإحباط واليأس من كل الأقوال التي لا تقود إلى أفعال ولا تسعى إلى إخراج الأمة من محنتها التي تتعاظم وتزداد توغلاً واستفحالاً على أكثر من صعيد لاسيما بعد أن تسللت الخلافات والانقسامات إلى صفوف الشعب العادي الذي كان إلى وقت قريب بعيداً عن التعصب السياسي والتحيز المذهبي والطائفي وكانت له مشاغله واهتماماته اليومية وأحلامه التي لم تتحقق .
ولا يختلف اثنان على أن الاجتماع الأخير للقادة العرب في الكويت انعقد في مهب العواصف السياسية غير المسبوقة التي لم يشهد الوطن العربي لها مثيلاً من قبل . وقف القادة في ذلك الاجتماع حائرين إزاء الملفات الثقيلة المرحّلة من الاجتماعات السابقة فضلاً عن الملفات المستحدثة وفيها من القضايا الساخنة ما لم يكن في الحسبان، ولم يخطر على قلوب المواطنين والحكام في يوم من الأيام . لذلك فقد كان واضحاً منذ الوهلة الأولى، وقبل عقد هذا الاجتماع أن القضايا المطروحة من الخطورة بمكان وليس في مقدور حسن النوايا أو الرغبات المخلصة لدى البعض من القادة أن تضع حداً لتدهور العلاقات الطارئة والقديمة بين بعض الأنظمة، كما كان ينبغي أن تبذل جهود مكثفة تسبق عقد الاجتماع أو يتم تأخيره إلى أن تتحدد الرؤى وتتبلور الحلول .
وما يؤسف له أن الأقطار العربية التي يقع على عاتقها استضافة "القمة" الدورية تعتقد أن إلغاء الاجتماع أو تأجيله يمس بمكانتها ويحرمها من حقها في التمتع بهذه الاستضافة، وهو تصور لا يلامس الحقيقة، ولا ينساق مع معطيات الظروف وما تعكسه على الواقع من متغيرات تفرض شروطها . ويرى كثير من المراقبين للأوضاع العربية الراهنة أن الاجتماعات التي تمت في السنوات الأخيرة تحت مسميات القمة ما كان لها أن تعقد نظراً للنتائج السلبية التي أعقبت انعقادها، وأخطرها تعميق حالة اليأس والإحباط عند الجماهير التي فقدت اهتمامها بكل ما له علاقة بالقمة وبالجامعة العربية خاصة، هذه المنظمة التي تحوّلت إلى مؤسسة روتينية تعيش في عصر المرحوم عبدالخالق حسونة ورفاقه الأفاضل الذين كانوا يرون أن ليس في الإمكان أبدع مما كان!
إن الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه يمر بمحنة قاسية ناتجة في الأساس عن غياب التضامن وسيطرة الروح الإقليمية المبالغ فيها والتي أدت إلى ظهور إقليميات داخل الإقليم الواحد ومكنت لمشاعر التجزئة والتفتت أن تأخذ مداها وتعمل على بذر الخلافات والتنكر للانتماء الكبير إلى الأمة وتستعيض عنه بالانتماءات الجزئية إلى الطائفة والمذهب . وما أكثر الشواهد التاريخية التي رصدت بدايات تدهور الأمم وتفسخها، والعوامل المؤدية إلى ذلك، ومهما قيل من أن الأمة العربية على مشارف التفسخ النهائي، فإنه ما يزال في إمكانية أبنائها المخلصين أن يوقفوا هذا المد الخطير وأن يحولوا بين أمتهم والمصير الفاجع الذي ينتظرها، ولن يكون ذلك عن طريق المؤتمرات والخطب الرنانة، وإنما عن طريق الشعور بالمسؤولية وإدراك مكامن الخطر والتخلص من تأثيرات الشعار الآثم: "أنا وبعدي الطوفان!" .
" الخليج الإماراتية "
في السبت 05 إبريل-نيسان 2014 04:35:43 م