في مفهومي أن الصداقة الحقة .. تتقدم على رابطة الأخوة - المحكومة بالنسب والعاطفة - وأوفى الناس وأصدقهم وأقربهم إلى القلب هو الصديق ولا يتقدم عليه في ذلك إلاّ الأخ متى كان صديقاً.
وأنا وصديقي أحمد توارثنا الصداقة من والدينا – رحمهما الله – الجميع يعرف ذلك كما يعرفون أني لم أمد يدي لأبايعه .. بدافع تأثير الصداقة المعززة بما ورثناه من أبوينا، بل لأنه أهل لأن يتوج ملكاً للنكتة الذمارية – بفروعها السياسية والناقدة والساخرة ... إلخ - ولأنه استحق عن جدارة أن يتسيد ماتزدان به من المجالس .. كان حرصي على أن نلتقي لا يقل عن حرص أحمد، وقد التقينا بعد ثلاثة أيام على صدور القرار الجمهوري بتعييني مستشاراً، ولأن صديقي أحمد قد سبقني إلى المستشارية في إحدى الوزارات أو الوزارة التي لن أذكرها حسب طلبه - لعوامل ومقتضيات خاصة وليس أمنية - فقد كان اللقاء لا بغرض المباركة ودخول سجلات الجريدة الرسمية للمرة الثانية ، ولكن بهدف النصح ونقل خبرة السابقين إلى اللاحقين على خير إن شاء الله.
طلبت منه النصح أمام لفيف من الأصدقاء، فتوجه بالحديث نحو صديقه منصرفاً عن المجلس الذي يتسيده ويستحوذ عليه بحكاياته وقفشاته الهادفة، المليئة بنكاته اللاذعة.. وبما أن الدين النصيحة فقد توجه إليّ ببعض النصائح منها:
- بما أن قرار تعيينك حديث العهد، فاعمل قدر ما تستطيع أن ينسى الناس مع مرور الوقت أنك مستشار للوزير، واحرص إذا ما تغير ألا يعرف الوزير الجديد أنك مستشاره لأسباب سأقولها لك.
- لا تتقدم بأية مبادرة أو مقترح أو ملاحظات على العمل في مجال استشاريتك إلا إذا طلب منك ذلك، حتى لا يرى فيك فضولياً أو حشرياً أو أنك تدعي المعرفة زيادة على اللزوم أو أنك تكيد لهذا أو ذاك ،خاصة إذا ما كانوا من المحببين إليه أو المقربين منه.
- لا تطالب بمكتب مع توابعه ولا تتردد كثيراً على مكتبه أو تجلس معه على انفراد حتى لا يخشاك البعض ويشعرون أنك صرت مقرباً وأنك قد تؤثر عليه، فيكيدون لك كيداً ويحبطون لك أي مستحق ويحرمونك حتى من السفريات وغير ذلك مما تعرفه.
- عندما تعرف ما ستحصل عليه مقابل القرار الجمهوري كمستشار من مستحقات ومزايا تسلمها بهدوء وبلا إثارة، ويفضل أن يكون لك وكيل يتسلم ما يخصك من مستحقات وأن يلقاك إلى مكان ما أو إلى منتصف المسافة الفاصلة بين منزلك والوزارة فيسلمك المستحق بعد أن يخصم المتفق عليه، لأن ترددك على أمين الصندوق قد يثير حفيظة ،وبمعنى أدق حسد البعض، وإن كنت لا تحصل إلا على أقل القليل مما يحصلون عليه لمحاذير سأقولها لك ،يفضل أن يكون لك وكيل يستلم مستحقاتك وتذهب لا ستلامها منه أو يأتي إليك أو يلقاك إلى منتصف الطريق، عملاً بما جاء في أغنية الفنانة تقية الطويلية:
إما تجي أنت ولا جيت أنا .. والا قسمنا الطريق ما بيننا
- هل تعلم أني ألتقي مع وكيلي تحت جسر الصداقة لاستلام مستحقاتي وأن الوزير الحالي لا يعرف أني مستشاره حتى يومنا رغم لقائي به في أكثر من مقيل؟.
استمر صديقي في إسداء نصائح المحب لمن يحب وتزويدي بخلاصة تجربته كمستشار، وعلامات التعجب والاستلطاف والاندهاش تتوالى على وجوه الحضور الذين يخيم الصمت عليهم ولا يعلو في المجلس صوت فوق صوت المستشار الأقدم إلى أن قاطعه صوت صديق جاء من مدينة ذمار وصحبناه إلى مجلسنا أو مقيلنا قائلاً :
ما رأيكم لو أن الأخ أحمد يؤجل بقية نصائحه لعباس لوقت آخر مادام فيها نصائح مؤجلة .. وينصحني أنا ،فأنا عائد إلى ذمار بعد ساعة ونصف .. وما دام قد أنتم مستشارين أشتي نصيحتكم كيف أكون مستشاراً وفي أي وزارة، أنا بلا عمل، ضحك الجميع وطلبوا منا الإجابة على تساؤله .. فقلت له: تساؤلك مكون من شقين كيف تكون مستشاراً.. وأين؟ وسأجيب عن الشق الثاني وأقترح عليك أن تكون مستشاراً لأي وزير في الدولة، كالتعليم العالي أو التخطيط أو لمحافظ البنك المركزي، ولا قلق فأنت ستكون مستشاراً فقط، أي لن تستشار ولن تكلف بعمل ولن تذهب في سفرية لمهمة خارجية أو داخلية، وبالتالي لن يعرفوا عنك شيئاً لا سلباً ولا إيجاباً، اطمئن فلا فرق بينك وبين عالم أو خبير متخصص في المجالات التي ذكرناها، ما عليك إلا أن تتفرغ للشريعة والمتابعة من أجل المخصص والسيارة .. ثم تعمل بالنصائح التي سمعتها من أحمد.
استحسن صاحبنا الفكرة وقال : بقي إرشادي كيف أكون مستشاراً؟. أجبته: هذه على صديقنا أحمد فهو أقدم مني في هذا المجال، ولا أخفيك أني عندما تسلمت قراري الرئاسي كمستشار من صديقي ورفيقي الدكتور محمد المخلافي، وزير الشئون القانونية، قال لي: هناك توجه لإيقاف قرارات الاستشارية، ولعل قرارك هذا يكون الأخير، نظر إليّ صديقي الذماري، وقال: إذاً فأنت المستشار الخاتم، ضحك الحضور، وانتقلنا إلى موضوع آخر.
شيء من الشعر:
لا جديد سوى ضحكٍ كالبكا
والحديث عن الغاشيه
والتندر
من كل ديباجة تتصدرها بسمله
وتكيل الوعود بخير القوى العامله
وبناء مدينتنا الفاضله
واجتثاث الفساد
وتحقيق تنمية شامله
في الإثنين 07 إبريل-نيسان 2014 08:37:37 ص