|
وإن كان هذا الكلام يحتمل معنيين: إما الصدق وإما الكذب، فإن المرحلة الآنية يجب أن تبعد الاحتمالات وتشرع في ما يصب مصلحة الوطن وأمنه واستقراره ونهضته.
وعليه فإن هذا المقام يستدعي أن نقف عند هذه الأمراض الخبيثة التي تجلب الظنون وتزيد الشكوك ونشخّصها ومن ثم نقترح العلاج المناسب؛ لأن النار تأتي من مستصغر الشرر.
إن هذه الأمراض كثيرة ولا نستطيع حصرها؛ لأنها فتاكة تصيب الأفراد والمجتمعات على حد سواء، ولكن إذا وقفنا على بعضها وشخّصناها سنجد أنها في واقع الحال أو الحقيقة تعود جميعها إلى داء واحد وخطير هو داء “الذات”؛ داء «الأنا»، داء “النفس أو الضمير”؛ هذا الداء وجد البيئة الخصبة لتكاثره ففرّخ أمراضاً عدة وزادت جراثيمه المعوقة لنهضة اليمن الميمون، وأصبح كل فرد مريض بهذا الداء في المجتمع كالسراب في أرض مستوية وقت الظهيرة، تراه من بعيد نافعاً ومفيداً وغيثاً سيطفئ لهيب العطش، لكن إذا أتيت إليه ورأيته على حقيقته سترتد بصيراً؛ لأنه هباء منثور لا نفع فيه.
وهذا يقودنا إلى أن هذا الداء الخطير بأمراضه المتجرثمة يعود طبيعته الحقيقية إلى معوقتين رئيسيتين هما معوقات شخصية ومعوقات موضوعية؛ أما المعوقات الشخصية فتظهر على هذا المريض من خلال إذا تكلم شخص ما معه بلطف ولين تراه يحمل سمات شخصية أنانية أهمها: الثرثرة والإطناب في الكلام بالقول: ما عملتم لنا، كان الماضي أحسن ويتلفظ بألفاظ بذيئة يسب فيها الثوار ورواد التغيير، ويستخدم سمات شخصية أخرى تتمثل باللف والدوران وعدم الوضوح في العرض وغياب الأدلة والبراهين وإخفاء الحقيقة، ناهيكم عن الغضب والانفعال والتعصب الشديد وغيرها كثير، الأمر الذي ينتج مقولة: كلامي فقط صحيح وكلام الآخر خطأ، وهذه جميعها كالشجرة الخبيثة بحاجة إلى علاج حقيقي هو النصيحة واجتثاثها بالتي هي أحسن.
أما المعوقة الثانية فهي معوقات موضوعية كثيرة وأهمها: عدم اللجوء إلى الحوار العلمي العقلاني وآدابه البعيدة عن الضوضاء والتشويش والقائمة على احترام الآراء والمفاهيم والشعور بالمسؤولية تجاه الأجيال، وهذه تتطلب البناء على قاعدة: “قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب” - كما قال الإمام الشافعي - بروح رياضية متقبلة للآخر مهما كانت نظرته ورؤيته للقادم، وهو علاج تغييري آني ومرحلي ومستقبلي.
من أجل ذلك لنفتش عن ذواتنا ونتحاور معها ونسألها أسئلة عدة: أتسير ذواتنا في الطريق الصحيح أم الخطأ؟ أتهمّنا مصلحة الوطن أم مصلحة ذواتنا؟ أنتحاور مع ذواتنا أولاً قبل التحاور مع الآخر؟ أنغلب لغة الحوار وآدابه على لغة العنف وأضراره؟ هل تفيدنا المهاترات والمكايدات والتهم في بناء اليمن الجديد؟.
ولاشك أن الإجابة على هذه الأسئلة جميعها ستتحدث بلسان الحال قائلة: (كل نفس بما كسبت رهينة)، (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها)؛ فأي الطريقين أهدى سبيلاً؟!
إن الطريق المثالي والعلاج الأنجع للقضاء على تلك المعوقات يتلخص في حوار الإنسان مع ذاته، والمقصود بالحوار مع الذات - كما قال د.عبدالستار الهيتي في كتابه: (الحوار.. الذات والآخر): (مراجعة الإنسان لنفسه وأفكاره والوقوف معها وقفة تأمل وتصحيح لتحديد مواطن الخلل وإصلاحها وتحديد مواطن الصحة لتعزيزها ودعمها، بالوسائل التي يراها مناسبة كالمناجاة والدعاء واللوم والمعاتبة)، وهذا الحوار مع الذات الفردية أو الجمعية هو المؤهل للحوار مع الآخر ومعالجة القصور والابتعاد عن المهاترات والمكايدات والتهم الباطلة والشروع في بناء اليمن الجديد بإذن الله.. وما أجمل قول الإمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينـــا وما لزماننا عيبٌ سوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ ويأكلُ بعضنا بعضاً عيانا
salahiz15@gmail.com
في الإثنين 14 إبريل-نيسان 2014 09:07:16 ص