مُخرجات المنفذ الوحيد
يأتي الناس إلى الحياة -أو يدخلونها- من منفذ واحد لا سواه، أما مغادرتهم لها أو إخراجهم منها، فيتم من منافذ متعددة.. هذا القول، يصدق على كل أبناء آدم، بل كل مولود على هذا الكوكب المسمّى بـ «الأرض»، ولكنه يصدق علينا في اليمن أكثر من غيرنا، حيث تتنوع وتتعدد منافذ مغادرة الحياة والإخراج منها مكرهاً، كتنوع وتعدد أزيائنا وموروثنا الثقافي «من الأكلات والفولكلور، إلى البناء والعادات الإجتماعية..»، فإذا ما كان السائد والمألوف هو مغادرة اليمني للحياة -كغيره من الناس- عبر المنفذ الرئيس وهو الموت -على فراش المرض والشيخوخة- وفقاً لأجل مُسمّى أو بحادث عَرِضي، فإن خروجه منها، وفقاً لبيت الشعر القائل: «ومن لم يَمُتْ بالسيف مات بغيره ....» قد تم تجاوزه في هذا الوطن الثري بكل شيء عدا المياه، وصار أمام الإنسان اليمني الكثير من المنافذ التي يخرج منها من هذه الحياة، أو يُجْبَرُ على ذلك بواسطة ما أسموه المعتزلة بخرم الأجل.. أي إزهاق الروح ونزعها من جسدها قبل موعدها المكتوب أو قبل دنو الأجل المُسمّى..
منفذ واحد فقط يدخل منه الإنسان إلى الحياة، وهو ما منح الأم في الإسلام وغيره من الديانات هذه المكانة الرفيعة، إلاّ أن منافذ الخروج والإخراج منها - في اليمن - متعددة ومتنوعة - كما أسلفنا - وبوقفة سريعة تعالوا نتأمل:
هناك منفذ الإخراج من الحياة بالسحل والتمثيل بالجثة، ليس على مستوى ممارسات الأفراد والجماعات، كما تُثبت تلك الجثث التي يتم العثور عليها في بعض المحافظات، بل على مستوى العلاقات الأسرية، كما فعل ذلك الأب الذي قتل ابنه سحلاً بسيارته، لأنه تغيّب عن المدرسة، أو الأب الذي لن تنساه اليمن بعد أن ألقى بأطفاله من النافذة وتبعهم غير مأسوف عليه..
إن منافذ مغادرة الحياة، أشلاء متناثرة بالعبوات أو السيارات المفخخة أو الأحزمة الناسفة، أو الرصاص الحي من ضمير ميت، قنصاً أو اغتيالاً.
هناك منفذ الذبح أو فصل الرؤوس بالخناجر ذبحاً وبالشنق، وبالإعدام والصلب بتهم «المثلية» أو العمالة أو الجاسوسية، أو المعصية، أو ممارسة الشعوذة وغيرها من وسائل تنفيذ الأحكام البشعة، خارج القضاء وقضاة الشرع المعتمدين بتوليةٍ من ولي الأمر.
هناك منفذ مفارقة الحياة، أو الإخراج منها بالإكراه، عند أي نقطة من النقاط التي ينطبق عليها القول: «الداخل مفقود والخارج مولود..»
نكتفي بهذا القدر من منافذ الخروج من الحياة -في اليمن- بالقتل العمد، لننتقل إلى منافذ مغادرة الحياة بالقتل غير العمد، ونتيح لها فرصة إطلالة عَجْلاَء من هذه النافذة، إنها على كثرتها وتنوعها لا تقل عن سابقاتها من الصنف الأول.. وللاختصار نشير إليها من خلال الشكاوي الصادرة من المعنيين في الدولة ومنظمات المجتمع المدني، كل حسب تخصصه وعجزه عن اتخاذ الإجراء المناسب لسد منافذ الموت أو منافذ مغادرة الحياة التي تحاصر المواطن اليمني، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك من يشكو من المواد الحافظة -المسرطنة- في معلبات المواد الغذائية المنتشرة في أسواقنا وأرصفة الشوارع، ومن يشكو الأسمدة والمبيدات الزراعية الخطيرة والمحظورة، التي تدخل البلاد بطرق مشبوهة -منها التهريب- ومن يشكو دفن المواد الكيماوية الضارة في كثير من الأماكن بما في ذلك الأحياء السكنية في أطراف العاصمة صنعاء.. إضافة إلى ما تأتي به بعض السفن المشبوهة ليدفن في شواطئنا أو يُلقى به في مياهنا الإقليمية..
وهناك من يشكو الأدوية المهربة، والاستهانة بحياة الناس في المجال الطبي، ابتداءً بفتح العيادات والمستشفيات الخاصة، وانتهاءً بما يحدث في المستشفيات الحكومية من غياب للضوابط ومجازفات طبية قاتلة دونما عقاب، وكأن الأمر لا يتعدى القول «قُتِل سهواً»، وهناك من يشكو اللامبالاة بحياة الناس.. وما جعل اليمن تحتل الصدارة في عدد المصابين بأمراض السرطان ومن هم عرضة له.
وهناك من يشكو غياب الضوابط وإجراءات الوقاية، المؤدي غيابها والاستهانة بها إلى هذه الفوضى المرورية في شوارع وطرقات اليمن، وما تتسبب فيه من قتل وإعاقات وجرح المئات شهرياً بدرجة مخيفة تتجاوز مرحلة الخطورة، بل تفوق ما تحدثه حرب نظامية مع دولة أخرى، وهناك من يشكو العبث بالسلاح وحصده لأرواح الأبرياء وأولهم الأطفال والنساء.
لا يحتاج المواطن في اليمن إلى حصر جميع منافذ مغادرته للحياة أو إخراجه منها بِخَرْمْ أجله، فهي معروفة لديه تماماً، وعليه نتساءل بالقول: ترى هل صدق علينا المثل الشعبي المصري القائل: «دخول الحمَّام غير خُروجه»؟.
شيء من الشعر:

أبْلِغُوا العَشرة (1)
ووجوهاً إلى ربها -عَبْرَهُمْ- ناظِرة
أن تلك البشاراتِ
لم تختلف عن وعودٍ طَرِبْنَا لَها
فتلاشت دُخاناً
تصاعَد من مِبْخَرَة

(1) إشارة إلى الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.

في الإثنين 21 إبريل-نيسان 2014 08:58:14 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1162