قصة عاشقين محبّين يخفيان مشاعرهما الجيّاشة أربعة عقود من الصمت، ثم يتزوّجان ليستمر وهج الحب في ظل صراع الديكة البيتي، فالدكتور الزوج يكتشف بعد سنين مديدة أنه وزوجته إنما كانا «يمارسان عبودية متبادلة» وأن قطعة الصابون التي لم يجدها ذات يوم في الحمام تحوَّلت إلى حقيقة مرعبة، ليعترف بعد حين أنها إنما كانت هناك بالذات، في إشارة إلى استسلامه التام في الحرب الباردة بينه وبين زوجته العنيدة الدؤوبة على صراع مفتوح، ومسيّج بالعاطفة والتفاصيل الأنثوية التي لا يقدر عليها الرجال. 

تستمر تلك الرواية النابشة في سيكولوجيا الثنائية الزوجية إلى حين سقوط الدكتور من أعلى شجرة الكستناء بعد أن اضطر إلى مطاردة الببغاء المنزلية المتمرّدة؛ تلك التي جاءت بها الزوجة بعد أن كان قد أقسم ذات يوم أن «لا يدخلن هذا المنزل كائن غير ناطق» فإذا بزوجته تحضر ببغاء كاريبية وتقول: "لكنه كائن ناطق". 

تكمن الرمزية البالغة هنا في كيفية تسليم الزوج بمعايير ملكة البيت العتيدة، وقائدتها المدجّجة بكل أنواع الحيل والطاقات الأنثوية الغامضة. 

 الاستدعاءات الوامضة لبعض أعمال الروائي الراحل جابرييل جارسيا ماركيز لا تغني عن إشارات مهمّة تتعلّق بمثابته الاستثنائية في عالم السرد، سواء لجهة الخيال المفتوح على كل الاحتمالات، أم الدقة في استخدام اللغة، أو التنويع الأسلوبي الذي يجعل كل رواية من رواياته وحيدة ذاتها، وكذا الثقافة العالمة بالمعنيين الأدبي والفكري، وأيضاً، وهذا مهم جداً؛ انتصاره الدائم للبائسين المظلومين، ولكن بطريقة لا تمتّ بصلة إلى الفجاجة والأيديولوجيا المباشرة، ولا حتى الأماني والآمال النرجسية التي لا وجود لهما في هذا العالم الموبوء برزايا التاريخ، قريبه والبعيد. 

أحببت أن أقدّم هذه الاستعادات الوامضة إلى القارئ الكريم بعد رحيل أحد عمالقة الرواية الإنسانية، وهو الذي ترك بصمة لن تُمحى، وبرهن على أن كتابة النص السردي من أصعب أنواع الكتابات؛ لأن السرد فنٌ للفنون الأدبية المعجونة بالفكر والتأمل وحسن الالتقاط، ولأنه لا يمكن أن يصدر عن مجرد «الحكي» بل عن تقديم ما قبل وبعد القصة، ولا يصدر عن المكان المحدّد، بل عن ظلاله في اللا مكان، ولا عن زمان معين، بل عن امتداده في الدهر. 

Omaraziz105@gmail.com