|
كان فوفو قادراً على أن يوهم مُمثلي مسرحه الافتراضي كما يتم إيهام الجمل في المَعْصَرَةْ، فالحيوان المسكين الذي يدور حول معصرة الزيت مُغمض العينين، كان يتوهّم أنه مسافر في مفازات البراري والقفار البعيدة، دون أن يعلم أنه إنما كان يدور حول نفسه، وهكذا كان فوفو يفعل بضحاياه؛ غير أنه لم يدرك يوماً واحداً أنه هو بالذات من كان يدور حول تلك المعصرة، وهو من أغمض عيني ذاته، بالرغم من اعتقاده أنه وضع القناع على عيون الآخرين ليجعلهم ممثّلين غير واعين لأدوارهم المحدّدة في سيناريوهات ذهنه.
نزعته الهوائية الأكروباتية وقدرته على عدم النسيان، أفضتا به إلى مناطق أخرى تستحق أن تُروى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نرجسيته المفرطة، وقبل أن نتلمَّس الدرب إلى نرجسيته الاستثنائية لابد أن نعود مُجدداً إلى علماء الأبراج الذين يرون أن لكل طبيعة بشرية نرجسيتها الخاصة، وليست النرجسية بذاتها مثلبةً يؤاخذ عليها الإنسان، غير أن النرجسية تتقمَّص أحوالاً متنوّعة بحسب أبراج الأفراد وطبائعهم، فالنرجسي المُعتدُّ بقدراته، ليس كالنرجسي الواهم، والنرجسي المائي يختلف عن النرجسي الناري، وهكذا الحال في الطبائع التي أومأنا إليها من قبل.
كان فوفو كما عرفنا من الهوائيين، وكانت نرجسيته هوائية بامتياز، ومثل هذه النرجسية تتجلَّى من خلال الآخرين الذين يتعرّضون لوابل من حجارته القاذفة، وهكذا تبدو نرجسية الهوائي كصاحبها الذي يعتقد جازماً أن بوسعه تمرير مخططاته وتدابيره الذاتية من خلال الآخرين، وهو لا يرى المآلات ولا يعتدُّ بالقادم.
كان فوفو إذا أراد شيئاً سخَّر له الآخرين من خلال الإشادة بقدراتهم وتوسُّل عواطفهم اللحظية وإبراز مكانتهم الكبيرة، وحالما يصل إلى مبتغاه يتنكَّر لهم كأن لم يعرفهم من قبل، وبهذا القدر من الموهبة المُخاتلة يحقّق ارتفاعه الواهم، وتحليقاته التي تجعله كالنعامة التي كادت أن تطير..!!.
Omaraziz105@gmail.com
في الثلاثاء 06 مايو 2014 09:27:50 ص