اليمن والحاجة إلى التسوية الدائمة
كاتب/باتريك سيل
كاتب/باتريك سيل
 

ما كاد وقف إطلاق النار في شمال غربي اليمن يدخل حيز التنفيذ منتصف ليلة الخميس الفائت، حتى اتهمت الحكومة اليمنية المتمردين الحوثيين بانتهاكه، والتخطيط لاغتيال ضابط كبير في الجيش اليمني. ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت الهدنة قد خُرقت أم لا، ولكن المعارك الأخيرة التي اندلعت بين الجانبين قد تكون هي الشهقة الأخيرة في الحرب الأهلية بين الحكومة والحوثيين، التي ظلت تراوح ما بين مد وجزر منذ العام 1994 وحتى الآن.

واليمن اليوم في حاجة عاجلة لتسوية دائمة، ويُشار إلى أن الجولة الأخيرة من جولات القتال -وهي الأخيرة ضمن خمس جولات في تلك الحرب - ظلت محتدمة على مدار الـ 6 شهور الأخيرة، واختلفت عن الجولات السابقة من حيث أنها دفعت المملكة العربية السعودية، جار اليمن الشمالي القوي إلى الحرب بعد أن عبر مقاتلو الحوثيين الحدود الشمالية غير المنيعة لليمن، ودخلوا السعودية، وهاجموا حرس الحدود، ما أدى إلى قيام الرياض بإرسال قواتها الجوية لضرب مواقعهم، وقواتها البرية لطرد المتمردين من مناطقها الحدودية.

والحرب بين الحكومة اليمنية والحوثيين، أدت إلى خسائر عسكرية فادحة في صفوف الجانبين حيث لقي الآلاف مصرعهم، كما نزح ما لا يقل عن 200 ألف لاجئ من القرى الواقعة حول مدينة صعدة اليمنية الشمالية، التي يعتنق غالبية سكانها - مثلهم في ذلك مثل الحوثيين - الزيدية وهي إحدى الفرق المتفرعة عن المذهب الشيعي. وفي تلك المعارك خسرت السعودية 150 جنديا تقريبا. وإذا صمد وقف إطلاق النار الحالي، فمن المتوقع أن يكون العديد من السكان متوجهين حالياً إلى ديارهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بين ركامها. وهذا يعني أنه ستكون هناك حاجة لبرنامج ضخم للمساعدة الدولية لإطعام، وإيواء، وإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب.

والهدنة التي أعلنها الرئيس اليمني من خلال مرسوم، تنص على الوقف التام لكافة الأعمال العدائية، وإعادة فتح الطرق التي أغلقها المتمردون، وإطلاق سراح المدنيين اليمنيين والسعوديين، وكذلك الأفراد العسكريين. ومن جانبهم أعلن المتمردون التزامهم بالدستور اليمني، وبالامتناع عن القيام بأي أعمال عدائية ضد السعودية.

لم تعرف اليمن سوى فترات سلام قصيرة منذ انقلاب 1962 الذي أعلن قيام الجمهورية وأطاح بأسرة إمام اليزيدية" محمد البدر" ووضع بذلك نهاية لحكم الأئمة الذي استمر قروناً عديدة. وعقب الانقلاب حاول الموالون لـ"البدر" القيام بثورة مضادة، ولكن مصر بادرت بإرسال حملة عسكرية إلي اليمن لدعم نظامها "الجمهوري" الوليد، وهو ما أدى إلى نشوب حرب أهلية بين أنصار الجمهورية والموالين للملكية استمرت حتى قيام مصر بسحب قواتها من اليمن عقب حرب 1967ضد إسرائيل. وبعد انسحاب القوات المصرية تمكنت مدينة صعدة عاصمة الزيديين من الصمود أمام الجمهوريين حتى عام 1970 عندما أصبحت هي الأخرى موالية للجمهوريين من خلال تسوية سياسية وليس من خلال القوة العسكرية.

وهناك مشروعان استعماريان أحدهما أميركي والثاني بريطاني، ساهما في إحداث اضطراب عميق في الحياة السياسية في اليمن. فعندما أرسل الجيش السوفييتي قواته إلى أفغانستان عام 1980 سارعت الولايات المتحدة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، وباكستان، إلى تجنيد، وتدريب عشرات الآلاف من الشبان المسلمين - كان الكثيرون منهم من اليمن - للتصدي للغزو السوفييتي. وعندما عاد هؤلاء بعد طرد السوفييت إلى اليمن، فإنهم استقبلوا كأبطال، وأعيد إدماجهم في المجتمع ، ووفرت لهم وظائف في الجيش والخدمة المدنية. وقد أدى كل ذلك إلى قيام نوع من التوازن الداخلي قللت الحكومة في إطاره من شأن التهديد المحتمل الذي قد يمثله الجهاديون العائدون.

ولكن الحملات العسكرية الأميركية، لتحرير الكويت من قوات صدام حسين عام 1991، ثم بعد ذلك إلى أفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003 ، أدت جميعها إلى تغيير المناخ داخل اليمن مما أدى بدوره إلى جعل أبطال الجهاد السابقين أكثر جرأة في التعبير عن عدائهم للسياسة الأميركية علانية. وعندما حاولت السلطات قمعهم، لم تنجح في ذلك بل ازادوا تطرفاً، وعندما تم القبض على بعضهم وتعذيبهم في معتقل جوانتانامو، فإن ذلك أيضا لم يفد بشيء. وقد أدى كل ذلك إلى اختلال التوازن الداخلي الذي كان قائماً بين المتطرفين والحكومة، والقضاء على أي فرصة للحوار بينهما.

تاريخياً يجب على بريطانيا أيضاً أن تتحمل قدراً من اللوم على عدم الاستقرار السائد في اليمن. فبسبب حرصها على حماية الطرق المؤدية إلى الهند، احتلت بريطانيا ميناء عدن الواقع في الطرف الجنوبي للجزيرة العربية عام 1832، ثم مدت نفوذها بعد ذلك على مشايخ وسلاطين عدن في المناطق الداخلية. وعندما تم طرد القوات البريطانية من اليمن على أيدي حركة وطنية "يسارية" عام 1967 فإن "اتحاد الجنوب العربي" الهش الذي أقامته تلك الحركة عقب رحيل بريطانيا، سرعان ماتهاوى ليحل محله نظام اشتراكي، تلاه بعد فترة قصيرة نظام شيوعي تحت مسمى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية".

في عام 1990 اندمجت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع جمهورية اليمن الشمالية قبل أن تحاول الأولى الانفصال عن الثانية عام 1994 في محاولة غير ناجحة مُنيت خلالها بالهزيمة على أيدي القوات الشمالية بعد قتال قصير انتهى باحتلال القوات الشمالية لعدن بمساعدة من الميليشيات الإسلامية، واستردادها للوحدة مجدداً، ولكنها كانت وحدة مقلقة تتعرض للتهديد مرة أخرى في الوقت الراهن، بعد أن تمكنت حركة انفصالية جنوبية من اكتساب أرض، بعد تبنيها لمطالب الجنوبيين الذين يشتكون من الإهمال، والبطالة المتفشية، وقيام الحكومة اليمنية بفصل60 ألف موظف مدني وعسكري من وظائفهم دون تعويض، واستيلاء الشماليين على أراضيهم.

ومحاولة "القاعدة" في الوقت الراهن إيجاد ملاذ آمن في اليمن يجب النظر إليه على ضوء هذه الخلفية المضطربة. فعلى الرغم من أن المجتمع اليمني يتميز بالحيوية، والنشاط، وبتقاليد عريقة من التسامح، فإنه في ذات الوقت فقير، ويواجه مشكلات خطيرة أهمها نقص المياه، وتقلص مداخيل النفط. وارتفاع نسبة البطالة التي تقدر بـنسبة 40 في المئة من بين عدد السكان الذي يربو على 23 مليون نسمة. ويعاني اليمن من طائفة أخرى من المشكلات، ليس أقلها مشكلة اللاجئين الموجودين على أراضيه، والذين جاؤوا من أريتريا، وأثيوبيا، والصومال، والقرن الأفريقي، ويتراوح عددهم وفقا للتقديرات ما بين 100 ألف إلى مليون لاجئ.

الخلاصة التي نصل إليها من كل ذلك هي أن اليمن بحاجة إلى حقنة إنقاذ عاجلة في صورة صناديق تنمية ممولة من جيرانها في دول الخليج.

- نقلا عن الاتحاد الاماراتية:


في الثلاثاء 16 فبراير-شباط 2010 10:16:50 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=123