|
تميَّزت الآداب السياسية والفكرية الأوروبية بما يُسمى بثقافة المراجعة، ذلك أن ما كان مسطوراً منذ زمن مضى وانقضى قد يكون مفيداً جداً في اللحظة الراهنة، كما أن المسطور تاريخياً ليس واحداً، بل متعدداً بطبيعته، فالمعروف أن المؤرخين فيما يكتبون ويدوِّنون ينطلقون غالباً من رؤية محددة، وقد تكون زاوية الرؤية مقرونة بأيديولوجيا فردية، أو اعتبارات نفسية، وربما ما أصبح شبه كلام مغلق مستغلق.. والأمر في الحقيقة ليس كذلك، مما يقتضي قراءة التاريخ قراءة أُفقية استسبارية تستخرج من وراء ركام الكلام ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
هذه الثقافة الأوروبية في فن المراجعة والاسترجاع تُظهر أيضاً وضمناً معنى الرُّشد في قراءة الأوضاع المختلفة، والمُستجدات المفاجئة، والتقلُّبات العاتية في المُعطى السياسي الدولي، وأذكر بهذه المناسبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر أن الأوروبيين كانوا مُجمعين على التأنِّي في خوض حروب الخليج الزلزالية، وكانوا يبررون قرار الحرب بوضوح الرؤية في العتبة التالية لشن حربي العراق وأفغانستان، ويرفضون خوضهما إن لم تكن العتبة التالية لشن الحرب واضحة المعالم، وبالمقابل كانت الولايات المتحدة ترى أن نظرية العتبة التالية لقرار الحرب، نظرية مُتخلِّفة ومنقرضة، والمقصود بحسب العُرف الأمريكي أن العتبة التالية لشن الحرب تأتي تلقائياً، ولا يمكن التنبؤ بها، وبهذا المعنى يرون أن الاندفاع نحو المبادأة المقرونة بالقوة الكاسحة ستعني تسوية الملعب السياسي للنموذج الألفي الجديد الذي يرونه بيقين إيماني شبه ديني.
لقد أثبتت التجربة بُطلان هذا المفهوم، فما يجري اليوم في أفغانستان والعراق يثبت تهافت ما ذهب إليه الجمهوريون الأنجليكانيون المدافعون عن نظرية الاكتساح، والقوة المجردة، بوصفهما المقدمات الحاسمة لترتيب الأوضاع الجديدة، وفق السيناريوهات الذهنية التي استحكمت في العقل السياسي النيتشوي في الولايات المتحدة.
الشاهد على الخيبة والاخفاق الأمريكي ما نراه اليوم ماثلاً في العراق وأفغانستان ، وبنفس القدر نراقب عن كثب حالة التضبب الأمريكي، والحيرة المقرونة بتصويغ ما لا يصوغ على خطي فلسطين المحتلة وأوكرانيا، وكذا التعامل الغامض مع الحالة العربية المتغيرة.
Omaraziz105@gmail.com
في الجمعة 09 مايو 2014 08:21:42 ص