|
يردّد الإخوان مقولة (إن الفقراء أحباب الله) حينما يكون الحديث موجهاً للبسطاء من الناس، بل يقولون لهم: إن الفقراء والضعفاء والمساكين سوف يرثون الأرض وما عليها، وحينما يتحدثون عن أنفسهم يقولون (المسلم القوي أحب إلى الله من المسلم الضعيف) والقوة والضعف هنا إشارة إلى الجسد والمال والنفوذ والتأثير والقيادة ففي مجال الجسد تجد أفراد الجماعة مربربين يأكلون اللحوم ويتعاطون العسل وأنواعاً أخرى من المشهيات، أما المال فهم يحصلون عليه بكل الطرق تبدأ من الجمعيات مروراً بالتبرعات وانتهاءً بالاستثمار ، يدفعون بالفقراء نحو الموت حتى يتخلصوا من الدنيا الدنيئة كما يقولون لهم، بينما هم يفرّون بأجسادهم المربربة حتى لو كان ذلك بملابس النساء كما حدث للبعض في ميدان رابعة العدوية بمصر حين كانوا يحرّضون على الشهادة والموت في سبيل الله، لكنهم هربوا بعد ذلك بملابس نسائية، وفي اليمن في أحداث 2011م لم نجد أحداً منهم تقدّم الصفوف أو دفع بأبنائه وبناته ليناموا في الخيام المنصوبة بشارع الدائري بل دفعوا بالفقراء من الرجال والنساء ليفترشوا الأرض وليضحوا بأرواحهم.. القصة كلها تدور في إطار الفقراء وما أكثرهم في اليمن، فبحسب تقرير الأمم المتحدة أن 14.7 أربعة عشر مليوناً وسبعمائة ألف في اليمن يحتاجون للغذاء العاجل ،هذا الرقم يكذّب الشعارات التي رفعت عام 2011م ومازالت تُرفع حتى اليوم المتمثلة بـ(العدالة الاجتماعية) ومن هنا بدأت فكرة رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي أرعب الفقراء الذين يعتقدون أن هذا الدعم يذهب لمصلحتهم والحقيقة أنه يذهب إلى جيوب الفاسدين، يقول خبير في البنك الدولي: إن عشرة إلى خمسة عشر مليون دولار يومياً تذهب لدعم مادة الديزل، هذا يعني أن المبلغ الذي يذهب إلى دعم مادة الديزل خمسة مليارات وأربعمائة مليون دولار في السنة، نصف كمية الديزل المدعومة تذهب إلى وزارة الكهرباء والكهرباء طافية فأين يذهب الديزل ونصف الكمية المتبقية تذهب إلى كبار الفاسدين؟.
لذلك نقول للحكومة: ارفعي الدعم ولكن بشرط أن تحولي خمسة مليارات وأربعمائة مليون دولار إلى يد المواطنين في إطار رفع المرتبات وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي. أما أن يفرفع الدعم وهذه الأموال لاتصل إلى المواطن فإنكم تدفعون البلاد نحو ثورة الفقراء. والغريب في الأمر هو أن اليساريين الأقحاح من الماركسيين والناصريين لايتحدثون عن الفقراء بل مازالوا في حلفهم مع الجماعة يتقاسمون معهم لقمة عيش المواطنين وسلطتهم.
ولست بحاجة إلى القول: إن هؤلاء الفقراء لايتحدث عنهم أحد, فهؤلاء يعملون أجراء في المزارع والورش الصغيرة أو في البناء أو غيرها من الأعمال الهامشية, فحجمهم يتعدى نصف السكان ونسبة الأمية عالية في أوساطهم. هؤلاء لايصل إليهم الدعم فهم لايحصلون على كهرباء ولايمتلكون وسائل مواصلات وليس لديهم مرتبات ومن يملك راتباً فهو لايفي بمتطلباته الحياتية.
ولا أبالغ إذا قلت: إن هذا الوضع هو نتاج للفوضى التي اجتاحت اليمن والتي حذرنا منها ومن مخاطرها ليس اصطفافاً مع طرف بقدر ما كانت قراءة حقيقية لعدم قدرة البعض من المسؤولين على معايشة الشعب وتحقيق استحقاقاته. كنا ندعو حينها إلى إعادة النظر في طبيعة السياسات التنموية والقيام بإصلاحات سياسية قبل النظر في الأشخاص. كنا ندعو إلى ثورة فكرية بدلاً من استغلال الدهماء من الناس بدون علم, فلا معنى لأي إصلاح إذا لم يسبقه حراك فكري يشمل ثقافة النخب السياسية الحاكمة ذاتها أولاً وأساساً.. والدليل على ذلك هو أن المجتمع اليمني اليوم توحّد في مواجهة الإرهاب عدا القيادات السياسية التي تحالفت في العام 2005م ولم تصطف مع قواعدها بل اصطفت مع مصالحها على حساب المصلحة الوطنية.
كنا ندرك أن هذه القوى تنطلق من ثقافة السلطة الأبوية وتتعامل مع قواعدها كرعية, هذه القوى التي اختارت مصالحها على حساب المصلحة الوطنية لاتهمها هيبة الدولة.. كما لاتهمها مصلحة المواطن، لذلك لم نجد من هذه الأحزاب من يقدم دراسة اقتصادية تنتشل المواطن اليمني من هذا الوضع المزري.. سيظل الفقر مسيطراً على الشعب اليمني مادام البعض من قيادات تلك الأحزاب يسيطرون على الحكومة ومادامت أحزاب اليسار تمنحهم المشروعية.
في الأحد 11 مايو 2014 08:37:59 ص