كشفه الله، فلماذا التستُّر عليه..؟!

الرئيس الشهيد إبراهيم بن محمد الحمدي، تشكّل وجدانه مع تشكُّل الحركة الوطنية في اليمن متأثّراً بمن حوله وأولهم أخوه غير الشقيق الشهيد عبدالله الحمدي. 
أما ثقافته فتكوّنت في إطار توجُّه التيار التقدّمي الساعي بنضاله إلى بناء يمن جديد في دولة مدنية حديثة، وبين هذا وذاك هو الآتي من بيت علم وقضاء وبيئة امارة، ومن غرس في روحه والده القاضي محمد الحمدي: «إن القضاء هو العدل، وإن العدل هو أساس الحكم» وعندما أسند إليه والده رحمهما الله - لكبر سنّه - مسؤوليته في تسيير شؤون محكمة ذمار الشرعية بتعاون صديقهما القاضي العلامة علي بن حسن الديلمي، كان إبراهيم الحمدي أصغر شاب يتولّى شؤون محكمة شرعية، فعرف معنى العدل بين الناس وما له من صلة بحياتهم وأمور الدولة واستقرار المجتمع. 
لهذا لا غرابة أن يولي الرئيس إبراهيم الحمدي - رحمه الله - اهتمامه البالغ بالقضاء وعدله منذ الأيام الأولى لتولّيه مسؤولية ومهام رئاسة البلد؛ إلى درجة أنه كان يُوْلِي بعض القضايا المحالة إلى القضاء اهتمامه ومتابعته الشخصية؛ خاصة إذا ما كانت ذات أهمية لها صلتها بأمن الناس وحماية حقوقهم وأعراضهم، كما هو شأن قضية الطفلة التي قُتلت في مدينة تعز، وكان والدي - رحمه الله - أحد القضاة المعروضة عليهم قضيتها ولم يهدأ له بال إلاّ بعد صدور الحكم بحق الجُناة. 
 وهنا أتذكّر أني قبل سنوات كنت في ضيافة أحد مشائخ قبيلة الحدأ بذمار، وعندما وصل بنا الحديث إلى سيرة أحد أقربائه المشهود لهم بالشجاعة والحمية، سألته عنه، وكيف تم إعدامه حدّاً وقصاصاً ولم يحاولوا أن يفعلوا شيئاً من أجل تخليصه بالصُلح القبلي أو الديّات المضاعفة وغير ذلك مما يحدث اليوم، أجابني: العملية تمّت أيام الرئيس الحمدي، حيث كان لا مناص لمن يقتل عمداً من القصاص الشرعي، قد دار في ذهني شريطٌ سريعٌ عن هيبة الدولة وقضائها العادل وشعور الناس بالمساواة وترسيخ دعائم الأمن، والعمل بقوله تعالى: «ولكم في القصاص حياة..» وأن ذلك القصاص العادل بيد الدولة وشريعة الله قد حقن دماء ثأرات، ولربما أن صديقي كان هو الآخر قد ذهب ضحية لها. 
وفي متابعتنا لرؤية الرئيس الشهيد الحمدي للقضاء وعدله وهيبته المستمدّة من الله ومن سلطانه؛ نجد أنه كان يرى في تطبيق أحكام القضاء ركيزة أساسية لقيام الدولة المنشودة القائمة على الأمن أولاً، وأنه كان يرى ذلك مرهوناً بأمور منها الحسم العادل بالردع العقابي والزجر المعنوي الذي يرى فيه البعض تشهيراً أو تعزيراً. 
أتذكّر وأنا طالب في الجامعة أن جندياً في سلاح المظلات - القوة التي كان يعتمد عليها الرئيس الحمدي بدرجة أساسية - قتل أحد مشائخ المنطقة الوسطى في مطعم بحي شُعوب بصنعاء، فلم تمض أربع وعشرون ساعة إلاّ وكان حكم القصاص الشرعي ينفّذ في ذلك الجندي وأمام المطعم نفسه، فقد تم التعامل مع الأمر كقضية مستعجلة، درءاً لفتنة وحرصاً على أمن العاصمة. 
أتذكّر أيضاً أن فتاة تعرّضت للاغتصاب في منطقة القاعدة، فاعتبرها الحمدي جريمة حرابة وهتك عرض واعتداء على أمن البلد بأكمله، ولم تمر أيام حتى نُفّذ حكم الإعدام في الجاني رمياً بالرصاص، وتم عرض تنفيذ الحكم عبر التلفزيون تعزيراً رادعاً وتنفيذاً لما أوصت به الشريعة الإسلامية بأن تشهد تنفيذ الأحكام في من أجرموا طائفة من المؤمنين لما لذلك من زجر وردع. 
ومن الأمثلة السابقة نقول: هكذا كان يتعامل مع قضايا الأمن والعدل بين الناس، رئيس جاء من بيت عِلم وقضاء وثقافة وطنية لإدراكه التام ما لذلك من تأثير وعلاقة بالْسِلمِ الاجتماعي، وأخذ حق الضعيف من القوي، والضحية من المجرم، وما أثار هذه الخاطرة هو تلك الأرقام المخيفة المقلقة التي تطالعنا بها إحصائيات وزارة الداخلية من جرائم سياسية وإرهابية ومذهبية وطائفية وجنائية متنوّعة ومتشعّبة، وكيف يُكْتَفى بذكر الأرقام وما تم ضبطه ومالم يُضبط، دون أن نسمع عن محاكمات وعقوبات، بالرغم من مرور نصف عام أو ما يقارب العام على وقوع تلك الجرائم، وهناك من المجرمين من يوقعهم حظهم العاثر كمادة لخبر تلفزيوني أو صحافي، فيتم الاكتفاء بذكر الحروف الأولى من اسمه الثلاثي وحجب صورته بالغطاء على وجهه - إن كانت له صورة - حرصاً عليه وعلى مستقبله وأنشطته، إن كان هذا هو الغرض..!!. 
الناس يتساءلون: لماذا لا يُقدّم المجرمون المقبوض عليهم إلى المحاكمات الكفيلة بالعدل للجميع، لماذا لا تُنشر أسماء وصور من تثبت عليه قرائن وأدلّة ارتكاب الجرم وأولهم من يُلقى القبض عليهم متلبّسين بجريمة قتل أو تهريب سلاح أو مادة خطرة أو حرابة، بهدف الزجر والردع قبل التعزير الذي أمر به شرع الله لمن يستحقه، فهذا ما تفعله الدول التي تعاني استهداف أمنها وسياستها واقتصادها، عليكم بمشاهدة الإعلام المصري أو السوري أو اللبناني أو السعودي أو غيرها.. لماذا يتم التستُّر على من عملت العناية الإلهية والمشيئة السماوية على كشفه وفضحه قبل أجهزتنا الأمنية، ولماذا نسمع عن الإمساك بالخيوط الأولية لأكثر من جريمة خطيرة بشعة ثم تدخل عالم النسيان مع خيوطها المنقطعة وتغيب حتى عن الصحافة التي تبدو كأنها تتعامل مع أمور كثيرة بآنية مجرّدة من المتابعة المطلوبة من أرباب مهنة المتاعب - كما تُسمّى - تُرى هل ذلكم التستُّر تحاشٍ أو خوف، أو رغبة..؟! المهم أن الأمر لا يخلو من الشبهات، والله أعلم بمراده - كما يُقال. 
شيء من الشعر: 
وبِأي ألحانٍ أغنّي واصفاً 
«هِنْداً» وما صَنَعتْ بقلبيَ «زَيْنَبُ» 
وأنا الجريحُ بأسْهُمٍ زَرَعُوا لها 
أيْدٍ إلى أسيادها تتقَّربُ 
وكَأنَّ قلبي في غَيَاهِبِ ظُلمةٍ 
طَيرٌ «على نارِ الشِواِ» يُقَلَّبُ 
وبساحةِ الأصنامِ تلكَ «طَوَاطِمٌ» 
بجهالةِ العصرِ الحديثِ تُنَصَّبُ 


في الإثنين 12 مايو 2014 11:05:35 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1242