|
لا يمكن الكتابة في مديح الحرب، على الأقل هذا ما تمليه علينا تحيزاتنا الإنسانية؛ لكن في لحظات ما نطلبها كخيار لا مفر منه، مؤخراً أظهرت شاشات الأخبار خبراً يظهر فيه زعيم بوكو حرام «جماعة إسلامية مسلّحة في نيجيريا» وهو يؤكد أنه سيبيع فتيات مختطفات كرقيق، ثم عرضت الصورة مجموعة كبيرة من فتيات مدارس بعمر البراءة، فرض عليهن ارتداء حجاب؛ وكأن هذا التصرف من وجهة نظر تلك الجماعات المتشدّدة عمل جهادي يخدم الأمة الإسلامية، أي تحويل كل طفلة تنتمي لدين آخر إلى رقيق من أجل المسلمين، إنها الصورة التي تفرض نفسها على طبيعة الإسلام، صورة تنتج ديناً أكثر ما سيفعله هو تنفير الناس منه، وتعكس طبيعة متوحّشة لا تنتمي إليه.
إن أي حرب توجّه ضد تلك الجماعات ستحظى بدعم إنساني كبير، من منا ذو قلب بشري ولا يتمنّى بطولة تحرّر طفلات لا ذنب لهن من براثن وحوش يتباهون بانتمائهم إلى الإسلام..؟!
تنتمي جماعة «بوكو حرام» إلى الإسلام المتشدّد، إنها جزء من نمطية «القاعدة» الصورة الفحولية والمشوّهة للمسلّحين الإسلاميين التي انتعشت في الفترة الماضية، قابل تلك الصورة لمشاورات فرنسية - نيجيرية من أجل التنسيق في حرب ضد تلك الجماعات؛ على الأقل هذا، ما يجعل الحرب التي يخوضها الجيش اليمني بطولية.
وفي لحظة قاسية وعصيبة كالتي تمر بها اليمن اليوم، تستعيد الوحدات العسكرية التي تقاتل في أبين وشبوة ضد مسلّحي «القاعدة» قيمة للدولة اليمنية، قيمة تم استلابها وانتهاكها على مدى عقود، فالصورة المقزّزة التي يتباهى بها مقاتلو «القاعدة» جرائم مثل قطع الرقاب وتفجيرات إرهابية تقتل المئات؛ تؤكد قيمة الدم التي يدفعها الجندي اليمني؛ هل تأملنا جيداً العمليات الانتحارية التي لا تنقطع عنها مدن العراق..؟! لنرى كيف استحالت صورة افغانستان إلى شبح أكثر من كونه وطناً.
نيجيريا تريد الاستعانة بالجيش الفرنسي للتعامل مع جماعة «بوكو حرام» لكن الجيش اليمني مازال يقاتل ويتوغّل في تضاريس صعبة مطارداً ميليشيا «القاعدة» إذ أنه كل يوم يؤكد لنا أنه قادر على التعامل مع تلك العصابات، وفي الوقت نفسه، سنرى صورة أخرى، أي تلك الأيادي الخفّية المساندة للإرهاب، كما أننا نكتشف إعلاماً موجّهاً بأكمله لمساندة الإرهاب في اليمن للدفاع عنه.
إحدى الصحف تظهر مانشيتات تحاول النيل من الجيش، مشيرة إلى حرب عبثية، ربما بلسان «شيخ» إننا نتعامل مع أعداء ظاهرين وآخرين متخفين، أعداء يريدون النيل من اليمن كدولة ومجتمع.
ما نراه في الواقع، هو تصفية لشوائب وطفيليات تكتظ من حولنا، إما ترتدي عمامة رجال الدين، أو حتى المجتمع السياسي؛ وتلك اللافتات الحقوقية التي تتحوّل بلا معنى.
حتى أكون أكثر مباشرة، صار كثير منا يعرف أي نوع من الجماعات هي تلك، فخطورتها تكمن بنزوعها الكلي إلى تدمير الدولة، كما أنها تعبير عن تفكك المجتمع، ولو أنها تحاول التظاهر بستار الدين وقيم الإيمان؛ لكنها في الواقع تمارس كل تأصيل لتفكك القيم؛ فصورة رص طفلات مدارس والتهديد ببيعهن كرقيق؛ ألا يحتوي على قدر هائل من الانحلال، هل استطاع المجاهدون إنقاذ افغانستان مما هي فيه، هل تعارض وجودهم مع انتشار مزارع الخشخاش وتجارة المخدرات..؟!.
ما يقوم به الجيش اليمني، أرادت إحدى الصحف التي تدعم بصورة مبطنة «القاعدة» أن تجعل منه حرباً عبثية؛ هكذا يريد البعض أن يتحدث عن الدماء، لكن لم تعن لهم دماء الجنود الذين ذبحهم حزام ناسف في السبعين، لا أهمية للجنود الذين شاهدنا ذبحهم بدم بارد أمام الكاميرات، لم يثر فقيه دين مثل الحزمي على مشهد جريمة العرضي، كما ثار على دينه مرتقياً أعلى المنابر للدفاع عن زواج الصغيرات.
سنعود إلى صورة طفلات المدارس البريئات وهن يُعرضن أمام الكاميرات، فيما زعيم “بوكوحرام” يؤكد أنه سيبيعهن كرقيق؛ ألم تكن شعارات خطباء الجوامع تجعل من نساء الأديان الأخرى «سبايا» لنا نحن المسلمين؛ أي نوع من الانحطاط في إثارة مخيلتنا الوحشية، حتى في التهتك والتلذذ بالنساء..؟!.
حتى اليوم يؤكد الجيش اليمني أنه قادر على حماية أراضيه، رغم كل الظروف الصعبة التي نواجهها كبلد سواء من الناحية الاقتصادية أم الأمنية؛ لكن هناك مشهداً مهماً يجعل هذه الحرب ذات أهمية لنا؛ صورة القادة وهم في مواقع القتال، وهم جنباً إلى جنب مع الجنود، وزير الدفاع بنفسه يحضر في الثكنات، هذا الدافع القوي الذي يعيد بناء الجيش وتوحيده.
تحدّث البعض عن قيادات جنوبية أو تلك الشمالية، لكن في الحقيقة كلنا نعرف أنه جيش يمني ووطني بصرف النظر عمّن يقوده؛ وعندما تكون هناك قيادة مخلصة، سنرى صوراً نسيناها منذ عقود للجيش اليمني، سنتذكّر ذلك.
أهمية هذه الحرب، أنها أعادت إلى الجنود، وهم من كل مناطق اليمن، صورة التلاحم؛ إذ أن خوض الحروب يصبح مهمّة بالنسبة للجيوش حتى لا تتراخى عزيمتها واستعداداتها.
وكما يرى مفكر فرنسي مثل مونتسيكيو أن بعض الدول التي دخلت حروباً أهلية، تحوّلت إلى غازية، لأن مواطنيها تحوّل أغلبهم إلى مقاتلين يعرفون فنونها، وهذا أمر مختلف الآن، حيث تنهك الحروب الأهلية البلدان؛ إذ ان تجهيز الجيوش يحتاج إلى موازنات ضخمة.
يقول البعض: ان الجندي اليمني يقاتل بعزيمة عندما يكون قائده إلى جانبه أكثر من السابق، حين كان القادة يجلسون في غرف عمليات مكيّفة، هذا هو الاختلاف الأهم.
لكن رجال الدين، كثير منهم، عرفنا في أي صف هم يقفون؛ إنهم ليسوا معنا بقدر حضورهم في صف القتل المنظم، وفي صورة بيع الطفلات كرقيق، هل أثارت حفيظة كل أولئك المتنطعين الذين اعتادوا على الصراخ طيلة سنوات من منابر الجوامع..؟!.
g-odaini@hotmail.com
في الخميس 22 مايو 2014 09:05:18 ص