محطّات وحدوية مهمّة
كاتب/محمد عبده سفيان
كاتب/محمد عبده سفيان
احتفلت بلادنا الخميس الماضي قيادة وحكومة وشعباً بالعيد الوطني الرابع والعشرين لإعادة وحدة الوطن اليمني أرضاً وإنساناً وقيام الجمهورية اليمنية التي ارتفع علمها عالياً خفّاقاً في سماء عدن وصنعاء وكل ربوع اليمن يوم 22 مايو 1990م، هذا اليوم التاريخي العظيم الذي مثّل محطة فاصلة بين عهدين؛ عهد التشطير ومآسيه وآلامه وعهد الوحدة الذي مثّل ميلاداً جديداً لليمن واليمنيين. 
منجز الوحدة العظيم لم يأتِ على طبق من ذهب وإنما تحقّق بعد جهود مضنية لسنوات طويلة بُذلت من قبل القيادات الوحدوية بدءاً من اتفاق القاهرة الوحدوي في 28 أكتوبر عام 1972م الذي وقّعه رئيسا وزراء الشطرين آنذاك محسن العيني وعلي ناصر محمد؛ وهو الاتفاق الذي جاء بعد المواجهات العسكرية بين الشطرين ومثّل حجر الأساس في مدماك الوحدة، ثم اللقاء الوحدوي الذي انعقد في العاصمة الليبية طرابلس للفترة من 26 وحتى 28 نوفمبر 1972م وجمع لأول مرة رئيسي شطري الوطن القاضي عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيّع علي برعاية العقيد معمر القذافي، وتم فيه التوقيع على البيان الوحدوي الذي مثّل اللبنة الثانية في الأساس الذي أقيم عليه البناء الوحدوي، ثم لقاء الجزائر بين الرئيسين الإرياني وسالمين في 4 سبتمبر 1973م، تلت ذلك زيارة الرئيس سالم ربيّع علي إلى مدينتي تعز والحديدة في 10 إلى 12 من أكتوبر 1973م، وهى الزيارة الأولى لرئيس جنوبي للشطر الشمالي والتي تم فيها لأول مرة عقد لقاءات وحدوية بين قيادتي الشطرين داخل الوطن، وتوقفت اللقاءات الوحدوية إثر حركة 13 يونيو 1974م التي أطاحت بالرئيس عبدالرحمن الإرياني وأركان حكمه وأتت بقيادة شابة من ضباط القوات المسلّحة بقيادة المقدّم ابراهيم محمد الحمدي الذي تولّى رئاسة الجمهورية «رئيس مجلس القيادة والقائد العام للقوات المسلّحة» فعمل على استئناف اللقاءات الوحدوية مع قيادة الشطر الجنوبي، وعقد أول لقاء له مع الرئيس سالم ربيّع علي بمنطقة قعطبة في 15 فبراير 1977م والذي تم فيه الاتفاق على مواصلة الجهود لتحقيق الوحدة، وكان مقرّراً أن يقوم الرئيس الحمدي بزيارة إلى الشطر الجنوبي في 12 أكتوبر عام 1977م للمشاركة في احتفالات العيد الرابع عشر لثورة 14 أكتوبر المجيدة؛ لكن يد الغدر والخيانة امتدت إليه قبل توجُّهه إلى عدن بيوم واحد، حيث تم اغتياله مع شقيقه المقدّم عبدالله محمد الحمدي يوم 11 أكتوبر1977م، وتولّى السلطة نائبه المقدّم أحمد حسين الغشمي والذي تم اغتياله أيضاً داخل مكتبه في القيادة العامة للقوات المسلّحة بحقيبة متفجّرة؛ وعلى إثرها تفجّرت المواجهات العسكرية بين الشطرين مرة ثانية؛ فتولّى السلطة مجلس رئاسة موقت برئاسة رئيس مجلس الشعب التأسيسي القاضي عبدالكريم العرشي وعضوية الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، رئيس مجلس الوزراء والمقدّم علي الشيبة، القائد العام للقوات المسلّحة والمقدّم علي عبدالله صالح، نائب القائد العام ورئيس هيئة الأركان العامة لمدة أربعين يوماً، حيث تم يوم 17يوليو 1978م انتخاب المقدّم علي عبدالله صالح، رئيساً للجمهورية، قائداً عاماً للقوات المسلّحة، وفي الشطر الجنوبي تم الانقلاب على الرئيس سالم ربيّع علي وتولّى السلطة مجلس رئاسة موقت برئاسة علي ناصر محمد، رئيس مجلس الوزراء تم انتخاب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني عبدالفتاح اسماعيل رئيساً لمجلس الرئاسة، واستمرت المواجهات المسلّحة بين الشطرين منذ اغتيال الرئيس الغشمي في يونيو 1978م وحتى مارس 1979م، حيث توقف هدير الطائرات والدبّابات والمدافع والرشاشات والحملات الإعلامية المتبادلة بين قيادتي الشطرين بعقد القمة الوحدوية في العاصمة الكويتية برعاية أمير الكويت آنذاك الشيخ جابر الأحمد الصباح والتي جمعت لأول مرة الرئيسين حينذاك علي عبدالله صالح وعبدالفتاح اسماعيل للفترة من 4 إلى 6 مارس 1979م وتم فيها التوقيع على اتفاق وحدوي جديد قضى باستئناف مسيرة الوحدة على أساس اتفاق القاهرة وبيان طرابلس، فمثّل بحق أولى الخطوات الجادة على طريق إعادة الوحدة، حيث سعت قيادة الشطر الشمالي إلى خلق أجواء من الثقة ومد جسور التواصل مع قيادات الشطر الجنوبي رغم التغيّرات التي حدثت في تلك القيادات، حيث تمّت إزاحة عبدالفتاح اسماعيل من رئاسة الدولة والأمانة العامة للحزب الاشتراكي ونفيه إلى موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي آنذاك بانقلاب أبيض في 20 أبريل 1980م، وتولّى رئاسة الدولة ومجلس الوزراء والأمانة العامة للحزب الاشتراكي علي ناصر محمد والذي شهدت مسيرة العمل الوحدوي في عهده خطوات متقدّمة، حيث عُقدت العديد من اللقاءات الوحدوية في صنعاء وعدن وتعز، وتم تبادل الزيارات بين قيادتي الشطرين، حيث تم تشكيل المجلس اليمني الأعلى، وتسهيل تنقُّل المواطنين بين الشطرين، وإقامة مشاريع وحدوية مشتركة، حيث عُقد أول لقاء بين صالح وناصر في صنعاء للفترة من 2 إلى 4 أكتوبر 1979م، تلا ذلك لقاء عبدالعزيز عبدالغني وعلي ناصر محمد في عدن في الفترة من 3 إلى 6 مايو 1980 ثم لقاء صنعاء بين صالح وعلي ناصر في 13يونيو 1980م، ولقاؤهما في تعز للفترة من 14 إلى 15 سبتمبر ثم لقاؤهما في تعز للفترة من 5 إلى 6 مايو 1982م، ثم لقاؤهما بعدن وتعز في 19 و20 يناير 1985م ولقاؤهما في صنعاء بتاريخ 5 مارس 1985م، وانعقاد الدورة الرابعة للمجلس اليمني الأعلى في صنعاء. 
 وفي 24 ديسمبر 1985م وتوقفت مسيرة الوحدة إثر تفجُّر أحداث 13 يناير الدموية عام 1986م والتي نتج عنها استشهاد عدد كبير من قيادات الدولة والحزب والقوات المسلّحة والأمن والمواطنين وفي مقدمتهم الصف الأول من القيادات وعلى رأسهم مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني الشهيد عبدالفتاح اسماعيل والشهيد علي أحمد ناصر عنتر والشهيد صالح مصلح قاسم والشهيد علي شائع هادي وتولّت السلطة في عدن قيادة جديدة، حيث تولّى علي سالم البيض الأمانة العامة للحزب وحيدر العطاس رئاسة الدولة وياسين سعيد نعمان رئاسة الوزراء وتوقّفت مسيرة الوحدة للمرة الثالثة؛ ولكن بفضل الجهود الصادقة والمخلصة التي بذلتها القيادة في الشطر الشمالي سابقاً ومعها كل الوحدويين المخلصين في الشطرين وفي مقدّمتهم مهندسا الوحدة الأستاذان القديران راشد محمد ثابت وحسين العرشي؛ تم استئناف مسيرة العمل الوحدوي وعقد أول لقاء وحدوي بعد أحداث 13يناير الدموية بالعاصمة الليبية طرابلس في يونيو 1986م والذي جمع علي عبدالله صالح وحيدر العطاس والذي مهّد الطريق مرة أخرى نحو تحقيق الوحدة، حيث تم بعد هذا اللقاء عقد لقاء آخر في منطقة قعطبة بين صالح والعطاس لتتواصل بعد ذلك سلسلة من اللقاءات والاجتماعات على مختلف المستويات بين قيادتي الشطرين والتي تم من خلالها وضع الأسس اللازمة لإعادة الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية؛ فمثّلت الزيارة التي قام بها الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض إلى العاصمة صنعاء في21 يوليو1987م خطوة مهمّة نحو تحقيق الوحدة، ثم اللقاء الذي عُقد بتعز بين صالح والبيض في 17 أبريل 1988م ثم لقاؤهما الثالث في صنعاء بتاريخ 4 مايو 1988م، كما مثّلت زيارة صالح إلى عدن في نوفمبر 1989م للمشاركة في احتفالات العيد الـ22 للاستقلال الوطني الـ30 من نوفمبر محطة مهمّة في مسيرة الوحدة، حيث وقّع مع الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض على اتفاق 30 نوفمبر الوحدوي الذي مثّل الخطوة الأساسية قبل الأخيرة في مسيرة الوحدة، حيث تواصلت بعد ذلك اللقاءات المكثّفة بين قيادتي الشطرين على مختلف المستويات في صنعاء وعدن وتعز ومن أهمها اللقاء الوحدوي بين قيادتي الشطرين والذي تم في تعز واستكمل في عدن للفترة من 8 إلى 10 مارس 1990م، ثم اللقاء التاريخي المهم الذي انعقد بالعاصمة صنعاء في الأول من أبريل 1990م بين قيادتي الشطرين تم فيه التوقيع على اتفاق إعلان إعادة وحدة الوطن وقيام الجمهورية اليمنية وتحديد موعد قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م، ثم اللقاء الذي انعقد بمدينة عدن في الأول من مايو، واللقاء المنعقد بمدينة تعز في العاشر من مايو 1990م والذي تم فيه الاتفاق على وضع الترتيبات النهائية لإعلان قيام الجمهورية اليمنية في الـ22 من مايو 1990م. 
هذه أهم المحطات الوحدوية التي يجهلها جيل ما بعد الوحدة ويحاول البعض اليوم طمسها من ذاكرة اليمنيين، متناسين أن مثل هذه الأحداث العظيمة لا يمكن محوها أبداً من ذاكرة الشعوب؛ لأنها مدوّنة في أنصع صفحات التاريخ، وقبل ذلك هي مدوّنة في العقول والقلوب. 


في الإثنين 26 مايو 2014 08:59:44 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1292