|
وقع الحادث المشئوم في يوم الثاني من يونيو من عام 1999 بعد الظهر. فقدت في ذلك اليوم والدي الحبيب وفقد اليمن أحد رجاله العظماء.
كنت في المنزل في زيارة لليمن أثناء إجازتي الصيفية من دراستي الجامعية في الهند. لم يعد والدي كعادته إلى المنزل، وبدلاً منه عاد أخي الأكبر وليد وعيناه تذرف الدموع. تلقفته أمي وضربت على صدره، صرخت: أين أبوك يا وليد؟ أين عبدالعزيز؟
شيء ما أخبرها أن هناك مصيبة، كان جسدها يرتعش وأنا أراقب من قريب، نظر إليها وليد واستنفد كل قوته من أجل أن يقول لها: أنا عبدالعزيز السقاف!.
لكن مواساته لم تجد لها صدى وأصبحت عيناها فارغتين وأخذت تردد: قتلوه... قتلوه...
وفي السنة التالية لحقته أمي. كان رمضان من عام 2000 عندما قالت لي: تعبت يا نادية، اشتقت لعبد العزيز. وفقدت أمي في العشر الأواخر من رمضان في ذلك العام، وفقدت اليمن امرأة من أعظم نسائها.
ومر يوم ويومان، وشهر وشهران ومرت السنون وكبرنا وتخرجنا من الجامعات وعملنا في وظائف مختلفة، وجاء دوري في مارس من عام 2005 لأحمل راية مؤسسة يمن تايمز وأكمل مشوار والدي ومن بعده أخي.
بعد سنة واحدة فقط حصلت يمن تايمز على ثلاثة جوائز دولية وأصبحت تنتقل من نجاح إلى نجاح برغم الصعوبات وحققت حلم والدي بفتح إذاعة يمن تايمز في أغسطس 2012.
يقال إن كل شيء يبدأ صغيراً ويكبر إلاّ الحزن. لكن مع الأيام أشتاق لأبي أكثر، خاصة أنني كلما كبرت ووعيت أدركت كم كان على حق وكم كان رجلاً عالماً ذا فطنة وبصيرة يستطيع أن يرى على المدى البعيد.
ترك لي والدي ميراثاً ضخماً من خلال كتاباته وأعماله التي أقرأها بين الحين والآخر، وأجدني أتعرف عليه من جديد. كل يوم التقي بشخص يقول لي: والدك كان صديقي، والدك كان زميلي، والدك درسني في الجامعة، والدك درسني في كلية الشرطة، والدك ساعدني في أمر معيّن أو والدك أخرجني من السجن...إلخ.
كل شخص عرف وتعامل مع والدي وأحبه يحمل بداخله جزءاً من الدكتور عبدالعزيز السقاف. هذا الرجل الذي يستمر في العيش في قلوب الناس وذكرياتهم سنوات بعد رحيله.
اليمن كلها تذكّرني بوالدي، في كل لقاء أقوم به، في كل فعالية ارتادها، وفي كل مناسبة أجد أكثر من شخص يحتضنني ويتلقفني برعاية. يقولون لي: أنت ابنة الرجل العظيم: عبدالعزيز السقاف.
حتى عالمياً اكتشفت أن علاقاته وشهرته تجاوزت الحدود الجغرافية وحدود اللغة. نشطاء من الدول العربية ومن آسيا، أفريقيا، أوروبا والأمريكيتين يقولون لي، كنا نعرف والدك، كان رجلاً عظيماً.
أحاول أن أتمثل ولو جزءاً من عظمته، أن أقوم ولو بقدر بسيط مما كان يقوم به.
الزمن تغيّر، والتحديات تغيرت، والبيئة تغيرت ويبقى ظل والدي كبيراً.. كبيراً.. كبيراً. أحتمي به واستظل به حتى بعد مرور خمسة عشر عاماً على رحيله.
رحمة الله عليك يا والدي، لعلك تراني من حيث أنت وتفتخر بي.
yteditor@gmail.com
في الخميس 05 يونيو-حزيران 2014 06:11:05 ص