شياطين مكرَّمون..!!
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي
ميّز الله الإنسان عن سواه من المخلوقات، فضّله وكرّمه، نفخ فيه من روحه واستخلفه في الأرض بعد أن خلقه في أجمل تقويم، وجعله بنيانه “من هدمه فقد هدم بنيان الله” كما جعل حُرمة قبره من الثراء إلى الثريا. 
أما لماذا..؟! فلأن الإنسان تميّز؛ بل تفرّد بعقل مكّنه من النطق والتفكير والابتكار والتمييز بين الخير والشر والاختيار، واتخاذ القرار، وحق الرفض لما يُملى عليه بأي شكل من أشكال الإكراه. 
ولهذا دعا الله الإنسان إلى استخدام قدرات عقله في التفكير والتأمُّل والإدراك بعد أن تبيّن الغي من الرشد، والخبيث من الطيب، وأخبره ألا إكراه يتنافى مع القناعة والمُعتقد اليقيني، كون ذلك يتناقض مع عقل الإنسان وقناعته وحرّيته في الاختيار. 
وهذا ما جعل الفكر الإسلامي المعتزلي يسبق الفلسفة الوجودية بقرون؛ ويقول إن الإنسان هو صانع أفعاله؛ أي مخيّر لا مسيّر، ولا توجد قوة ترغمه على القيام بما لا يؤمن به ويخالف اعتقاده.
فمن هذا الاختيار الحُر جاءت مكانة الإنسان المتفرّدة في تميُّزها عن بقية المخلوقات الإلهية، وهذا تفضيل إلهي له حتى على الملائكة الذين أمرهم بالسجود له، فسجدوا إلا إبليس الذي أبى وعصى فكان من الخاسرين، ومقروناً بلعنة أبدية، وإذا ما كان إبليس قد فعل ذلك فإنه وذرّيته من الشياطين ليس أكرم من الإنسان ولا يبلغ درجته، بل إن الشياطين من ذريّة إبليس ليسوا بأكرم من شياطين الإنس أو من ذريّة آدم وإن كانوا متشابهين أو متساوين في الفعل وإلحاق الأذى بالآخرين. 
إذا ما كان شياطين الإنس أو من بني الإنسان هم الوسواس الخنّاس والنافثون في العُقد بكيدهم ومغرياتهم من رجال ونساء، فإن أشباههم من شياطين ذريّة إبليس اللعين أقلُّ منهم درجة ومكانة، وتعالوا ننظر أو نتأمّل في مثل بسيط هو في شهر رمضان الكريم، شهر القرآن والمغفرة والعتق الذي تتصفّد فيه الشياطين “الإبليسية” وتُغلّ بأمر الله سبحانه ليسلم الناس في هذا الشهر الكريم من أذاهم ومكائدهم، ومثل هذا التصفيد لا يحصل لشياطين الإنس فيظلّون طلقاء لعلّ آدميتهم أو إنسانيتهم وعقول تميّزوا بها تردعهم بدافع الاختيار والإدراك وليس الإجبار والإكراه. 
هكذا تجد الشيطان “الإبليسي” يُجر ويُكره ويصغّر رغماً عنه، أما شيطان الإنس فيظل طليقاً متروكاً لاختياره وعقل ميّز الله به الإنسان، فهل الإنسان أكرم من غيره حتى وإن كان شيطاناً وسواساً خنّاساً، أمرنا رب الناس أن نستعيذ به من أولئك البشر الذين تحوّلوا بأفعالهم إلى شياطين..؟!. 
وهل يجدر بنا الحال هنا لنقول لشياطين الإنس: هذا هو الشهر الكريم رمضان، صفّدت فيه شيطان الجن و«الأبالسة» وتُركتم طُلقاء تقديراً لعقول تميّزتم بها كبشر أو آدميين، حتى لا تُمس حرية الإنسان في الاختيار وتنزيهه عن الإكراه، فهل نطلب؛ بل نرجو منكم أن تقدّروا ذلك، وأن تجعلوا من شهر رمضان مناسبة لتغليب إنسانيتكم على شيطانية مكتسبة، أن تتوقفوا باختياركم عن إيذاء إخوانكم في الإنسانية وإراقة الدماء وزرع الأحقاد وإيقاظ الفتن والدفع بالمجتمعات إلى الهاوية، وألا تستغلّوا تكريم الله للإنسان في إرضاء اختياراتكم الشيطانية، وألا يتحدّى بعضكم مقدم شهر رمضان بالإقدام على ما يوحي به إلى الآخرين بأنه مُحصّن على التصفيد الذي تغلّ به الشياطين من الجن وذريّة إبليس..؟!. لو تعلمون كم أحزن الناس وآلمهم واستفزّ مشاعرهم وإنسانيتهم ذلك العمل الشيطاني الذي أقدم عليه بعضكم قُبيل شهر رمضان بأيام معدودة؛ حيث استهدفوا ثماني أسر فقيرة من مدينة عمران بهدايا أجهزة ألكترونية كُتب عليها أنها مُرسلة إليهم من رجل خير في المملكة العربية السعودية، وما ألحقته تلك الهدايا الشيطانية بالمستهدفين الفقراء من مصائب وفجائع الموت والجراح والإعاقات، ولولا انتباه بقية الأسر المستهدفة للهدايا التي لم تُفتح بعد وتُشبك بالتيار الكهربائي ـ لأنه كان مقطوعاً عن أحيائها في تلك الساعات ـ ليجدوا بعد تفكيكها من قبل خبراء المتفجّرات أن الواحدة منها تحتوي على ما يزيد على ثلاثة كيلوجرامات من مادة “تي. إن. تي” المتفجّرة لكانت أم الكبائر والكوارث..!!. 
 ليتكم تسمعون أم إحدى الفتيات وهي تبكي وتدعو الله بحُرقة على من نهب منها فلذة كبدها، وليس بوسعنا إلا أن نستحلفكم بالله ونقول: “إ “إن في المحرمات حرام” أيها الشياطين المميّزين عن شياطين الجن وذريّة إبليس.


في الإثنين 30 يونيو-حزيران 2014 11:22:17 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1435