|
يحدث القتال بسبب غياب العمل السياسي؛ خاصة بشأن تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني بشكل عام وبالذات بشأن هيكلة الجيش ونزع سلاح المليشيات المسلّحة، هذا باختصار مشكلة العنف المسلّح في أرجاء اليمن حالياً، فبعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني حلّ السكون بشكل مخيف ما استدعى التأويلات والمبادرات المختلفة المبنية على الشك بالآخر وحالة اللا حوار التي بدورها أدّت إلى الاقتتال العنيف الذي حصد المئات.
التقرير الأخير للمبعوث الأممي إلى مجلس الأمن في الشهر الماضي أفاد أن الاقتتال الحاصل هو بين الحوثيين ومجموعات مسلّحة أخرى، وأن الهدنة التي كان قد اتفق عليها ضعيفة وقد تنتهي في أية لحظة، وهذا ما كان، وجميعنا يعيش الوضع في اليمن ويعرف كيف انتهت الهدنة وما وصل إليه الحال اليوم.
انتهت الهدنة؛ لأن المفاوضات لم تصل إلى نهاية مرضية؛ بمعنى آخر لم يكن الحوار صادقاً بين الأطراف المعنية وتم تفضيل استعمال القوة والقتل على تقديم التنازلات والتعايش؛ عدا عن أن وجود الحوثيين بهذا الشكل تهديد صريح لكيان الدولة، فإن العنف المسلّح في المناطق الشمالية لا يؤثّر فقط على مناطق الصراع، بل على اليمن بأكملها بسبب وقوع طرق حيوية تربط بين المحافظات المختلفة في مناطق الصراع وبالتالي تمنع وصول البضائع وقاطرات النفط والمسافرين؛ بل تمنع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المناطق المنكوبة.
أما الآن يشعر الحوثيون بالغرور الشديد وهم يتوسّعون في نفوذهم في المحافظات الشمالية؛ خاصة بعد أن انتشر خبر مقتل العميد حميد القشيبي، قائد اللواء 310 في عمران والذي ينتمي إلى حزب الإصلاح والذي كان يقاتل ضد المتمردين الحوثيين في محاولة لدفعهم عن مدينة عمران.
فبعد انتصارهم الأخير أعلن المتمرّدون الحوثيون رغبتهم في الاتفاق مع حزب الإصلاح صراحة كطرف في المعركة، في حين أن الحزب يؤكد أن معارك الحوثيين المتمرّدين والخارجين عن النظام والقانون هي مع الدولة على اعتبار أن اللواء 310 يتبع الجيش ولا يتبع الإصلاح وليست معهم.
الانتماء السياسي لقادة الأجهزة الأمنية والجيش مشكلة كبيرة يجب أن نتنبّه إليها، فهذه المناصب كان يجب ألا تدخل ضمن التوزيع أو المحاصصة السياسية، نرى اليوم تبعات ذلك لأن الحوثيين يزعمون أن قادة الألوية العسكرية المحيطة بهم تنتمي إلى حزب الإصلاح وبالتالي تعمل ضدهم، وسواء كان هذا الزعم حقيقياً أم لا، فإن تحويل الجيش وقوات الأمن إلى أداة سياسية بدلاً من أن تكون وسيلة وطنية للحماية من خطر كبير.
العلاقة بين اللواء 310 والدولة لم تكن واضحة تماماً في الآونة الأخيرة، حيث لم تصرّح الدولة علانية أن لديها معركة مع الحوثيين بالرغم من أن لواءها غارق حتى الأذنين في القتال، وفي نفس الوقت لم تتركه تماماً وتقف موقف المتفرّج كأن الأمر لا يعنيها بل أرسلت لجاناً رئاسية للوساطة وتعزيزات دفاعية وقفت على مشارف مدينة عمران كأن مهمتها الحقيقية ليست دعم اللواء في معركته مع الخارجين عن النظام والقانون؛ ولكن الوقوف كحاجز والحرص على ألا يصل القتال إلى العاصمة..!!.
وفي نفس الوقت أحترم كثيراً مساعي وزير الدفاع الذي حاول جاهداً الوصول إلى اتفاق مع الأطراف المتقاتلة والذي بنفسه التقى معهم في مناطق الصراع؛ ولكن كان يجب أن يكون هناك حوار سياسي فاعل يعمل بطريقة متوازية مع الهدنة ومحاولات وزير الدفاع.
الفراغ السياسي الذي نعيشه اليوم كان يجب أن تشغله المباحثات السياسية أولاً من خلال الهيئة الوطنية المعنية بمتابعة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار، والتي برغم إعلانها قبل أشهر لم تعقد اجتماعاً واحداً، وثانياً من خلال حكومة الوفاق التي لاتزال تبحث عن هويتها والتي كان من المفروض أن تعمل منذ وقت مبكر من أجل تنفيذ مخرجات الحوار وجعل البلد أكثر استقراراً من الناحية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها.
إذا أردنا أن ننقذ اليمن من العودة إلى مربع القتال؛ علينا أن نكمل المشوار السياسي، وألا نتخاذل وقد وصلنا إلى مرحلة مفصلية، والاستفتاء على الدستور الجديد على الأبواب.
yteditor@gmail.com
في الخميس 10 يوليو-تموز 2014 02:56:02 ص