إما دولة أو «دواعش»..!!
كاتب/سامي نعمان
كاتب/سامي نعمان
مشهد اجتياح مسلّحي جماعة الحوثي المتمردة محافظة عمران، واستباحة لواء كامل للجيش بمبانيه ومنتسبيه ومعدّاته الثقيلة، ربما كان مؤلماً، لكنه لم يكن مفاجئاً، فكل الوقائع كانت تشير إلى مثل هذه النتيجة المأساوية. 
منذ بضعة أشهر، ومحافظة عمران تعيش أجواء حرب طاحنة، جرى ترحيل موعدها لأكثر من مرة بوساطات كانت تفضي إلى هدنٍ هشّة رعتها الدولة التي حضرت كـ«وسيط محايد» على حساب وظيفتها كدولة معنية بوضع حدٍ حاسم لمثل تلك النزاعات التي تهدّد السلم الاجتماعي، وتنال هيبتها في مقتل؛ بغض النظر عن الأطراف المتورّطة في الصراع الجاهلي. 
لم يكن وصول الحوثيين إلى عمران بالأمر المفاجئ؛ بل جاء في سياق مخطّط توسعي بدأ بمواجهة سلفيي دماج وصولاً إلى طردهم مطلع العام الجاري، ثم التمدُّد على مدى أشهر في مديريات عمران الواحدة تلو الأخرى، وما كان ينقص اكتمال حلقاته سوى إحكام السيطرة على مركزها وإلحاقها بسلطة صعدة، خصوصاً بعد إحكام الطوق على محيطها كلّياً بما في ذلك مديريات مجاورة، بعضها تقع على مشارف العاصمة. 
ومع تفاقم حالة الاحتقان في المحافظة؛ لم تكن تلك الهدن المحدّدة غالباً بتاريخ انتهاء لتؤدّي أكثر من دور المسكنات اللحظية سرعان ما ينكشف مفعولها على وضعٍ أكثر تعقيداً وخطورة. 
كان الاتفاق الذي أنجز في السادس من يونيو الجاري هو الأكثر ملاءمة لحل الصراع بدورته الأخيرة، رغم أنه لم يكن كافياً لعلاج جذور المشكلة.. ولكونه جاء متأخراً بعد تراكم منسوب انعدام الثقة بين الأطراف المتناحرة، وغياب سلطة التنفيذ الصارم وأدوات الرقابة الفاعلة الكافية لإنفاذه، لم يكن مبلغه ليتعدّى إنجاز التوقيع، وبضعة أيام من الهدوء النسبي لم تخل من خرق الاتفاق، وصولاً إلى انهياره كلّياً، واندلاع الحرب التي شرّدت الآلاف وخلّفت المئات بين قتيل وجريح. 
وعلاوة على ذلك استبسل مسلّحو المتمرد الحوثي في استعراض قدراتهم الإرهابية المشينة بتفجير ونسف دور القرآن ومنازل معارضيها ونهبها لتشكّل نسخة همجية من داعش العراق والشام مع اختلاف في بعض التفاصيل..!!. 
وأياً كان الطرف الآخر الذي يواجه جماعة الحوثي المتمردة؛ فثمة لواء ينتمي إلى المؤسسة العسكرية كان ضالعاً في تلك الأحداث، دون أن يكون هناك موقف واضح من السلطات المعنية تجاهه تأييداً أو رفضاً، على أن بعض تصريحات قيادات المؤسسة العسكرية كانت تؤكد أنها لن تسمح بانكسار الجيش في عمران، وهو ما لم يحدث. 
تُرك اللواء 310 مدرّع مكشوفاً دون أي سند على ميليشيا مسلّحة تتعاظم قوتها بشكل كبير، فكانت النهاية المأساوية أن تمكنت الميليشيا من سيادة الدولة في نهاية المطاف، باستباحة ضلع شديد فيها معني بحمايتها، وقتلت الكثير من منتسبي اللواء بمن فيهم قائده حميد القشيبي، ونهبت كل آلياته ومعدّاته العسكرية الثقيلة، لتعزّز بها ترسانتها العسكرية لتزيدها أضعافاً بعتاد نوعي، هو في كل الدول ملك حصري للدولة عدا تلك التي تعيش حروباً أهلية أو يتنازعها أمراء الحروب.
أفاق الجميع على وقع الكارثة الفادحة، واستحضروا سيناريو مشابه قد يكون هدفه القادم صنعاء العاصمة حيث مركز الدولة وسلطتها السياسية بعد أن انكشفت من جهة عمران المنكوبة وبعض أطراف صنعاء الأخرى. 
اجتياح عمران، وتدمير ونهب مؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية وتشريد أهلها، كان كفيلاً بدق ناقوس الخطر، على أن وضع جماعة الحوثي المتمردة لم يكن قبلها أقل خطورة، فالجماعة ومنذ تسلُّمها زمام الأمور كلّياً في صعدة مطلع عام 2011م، تزامناً مع الانتفاضة الشعبية ضد نظام صالح؛ خاضت سلسلة مواجهات دامية مع خصومها بدءاً من مركز قوتها وسلطتها صعدة، وتمدّدت في اتجاه محافظات حجة، وعمران والجوف، وذمار، وحتى إب، كرّست خلالها حضورها كجماعة مسلّحة تركن إلى قوتها وسلاحها في تصفية حساباتها مع خصومها ومخالفيها أنّى وجدوا. 
الخطيئة الكبرى التي تتحمّل البلاد تبعاتها الوخيمة إلى اليوم، وربما إلى أجل غير مسمّى هي التساهل في إشراك جماعة الحوثي المتمردة وجماعات قبلية أخرى في مؤتمر الحوار قبل التفاوض حول مسألة السلاح والشروع في نزعه بما لا يتيح لأية جماعة الركون إلى قوتها إذا ما انقلبت على مخرجات الحوار، ليكتفي المنسّقون لمؤتمر الحوار بالحديث عن تفاهمات قائمة على التزامات بوقف استخدام السلاح لصعوبة نزعه حينها. 
وتبعاً لغياب الضمانات على ذلك عدا التفاؤل بحسن نوايا، كانت النتيجة أن تزامن الحوار ومخرجاته مع أمر واقع تفرضه الميليشيات المتحاربة بقوة السلاح، في أكثر من جبهة، والعجيب أن يزعم بعض زعماء ميليشيا الحوثي المتمردة أنهم بذلك إنما ينفّذون مخرجات الحوار عملياً. 
لم يعد من الحكمة التساهل مع مسألة السلاح مع أي كان، وفي طليعته جماعة “داعش” بنسختها الحوثية، التي تقتل أنصارها واليمنيين من مخالفيها والأبرياء بالجملة، فالسلاح الثقيل والمتوسّط ينبغي أن تحتكره الدولة كلّياً حق امتلاكه وحيازته، ولا يحق لأية جماعة مسلّحة أخرى أن تمتلك من الأسلحة ما يمكنها من فرض خياراتها بالقوة، وما ينطبق على جماعة الحوثي ينطبق على غيرها. 
البلاد لا تحتمل المزيد من الحروب والمغامرات، وينبغي أن تُعطى أولوية مطلقة لنزع سلاح الميليشيات جميعها بالتزامن، وفقاً لاستراتيجية واضحة وصارمة تضعها الدولة وتطبقها بمسؤولية كاملة، وتقرير أي إجراءات بحق من يرفض الامتثال لها، وبإشراف دولي وأممي إن اقتضى الأمر. 
استمرار الجماعات المسلّحة في اغتصاب الدولة؛ يعني أن البلاد ستظل رهناً لشبح حرب أهلية، وضياع مشروع الدولة الحديثة، فتنمّر بعض الميليشيات على مخالفيها سيدفع أولئك المقهورين، ومعهم الساخطون من الدولة والأحزاب إلى الارتماء في أحضان أية جماعة عنف أخرى تملك القوة والقدرة على الثأر، لتكون البلاد على موعد مع دواعش طائفية إرهابية ليس لديها من مشروع سوى الخراب والدمار للأوطان والموت للإنسان. 
saminsw@gmail.com 


في السبت 12 يوليو-تموز 2014 07:42:48 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1496