|
أغلب اليمنيين يعيشون في مدن غير التي وُلدوا فيها لأسباب عدّة منها طلب الرزق أو الدراسة، وللأسف أيضاًَ بسبب النزاعات المسلّحة.
الفرق بين الهجرة الاختيارية والهجرة الإجبارية هو أن الأخيرة تسمّى «تشرُّد أو نزوح» وغالباً ما تأتي فجأة، فبحسب إحصاءات مركز مراقبة النازحين التابع للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين أعلى رقم للنزوح الدخلي في اليمن كان في شهر أغسطس 2012م عندما وصل الرقم إلى أكثر من 545 ألف نازح في نفس الوقت، منهم 356 ألف نازح بسبب الحروب في صعدة منذ 2004م، حوالي 68 ألفاً فقط عادوا إلى ديارهم.
وفي المحافظات الجنوبية وصل الرقم إلى 200 ألف نازح بسبب الحرب مع «أنصار الشريعة» في أبين في 2012م، وبسبب النزاعات الجديدة يوجد الآن 35 ألف نازح بسبب القتال الأخير في عمران، وقبلها 21 ألف نازح من شبوة بسبب المواجهات مع «القاعدة» في شهر مايو من هذا العام.
وبحسب مركز مراقبة النازحين؛ يوجد حالياً حوالي 321,300 نازح أغلبهم من الشمال بعضهم تشرّد للمرة الثانية؛ بمعنى أنه عاد إلى منطقته واضطر للنزوح مرة أخرى سواء لأسباب اقتصادية؛ لأن بيته أو مزرعته أو مصدر دخله أياً كان قد تدمّر أم بسبب تكرُّر أحداث العنف التي اضطرته إلى أن يهرب لينجو بحياته.
مئات الآلاف من النازحين تنتهي حياتهم كما عرفوها ليبدأوا من الصفر، وبعضهم من تحت الصفر في حال تعرُّضهم لأذى جسدي أو نفسي، والمجتمعات المستضيفة أيضاً يختل توازنها وتعاني آثار قدوم الآلاف عليهم فجأة؛ وذلك لأن النازحين سيضطرون إلى العيش في المدارس أو المراكز العامة وبالتالي سيضطر الطلاب من المجتمعات المستضيفة إلى التشرُّد بدورهم والتوزُّع على المدارس المختلفة، بالإضافة إلى تبعات اجتماعية واقتصادية أخرى مثل دخول عادات جديدة على المجتمع وزيادة الشحاذة والسرقات والتنافس على الأعمال اليومية ومصادر الدخل والضغط على الموارد الأساسية مثل الماء والكهرباء التي هي في الأصل شحيحة.
النزوح يؤثّر على التركيبة الاقتصادية والاجتماعية للبلد بشكل عام؛ وآثاره ليست آنية فقط؛ لأنه حتى وإن عادت الأسر النازحة إلى مواطنها واستقرّت من جديد، فهناك عواقب نفسية واجتماعية على المدى البعيد، مثلاً طلاب مناطق الصراع في الشمال فقدوا على الأقل سنتين من سنوات التحصيل العلمي، ومن المتوقع ألا يستطيعوا المتابعة، حيث توقفوا لأنهم بحاجة إلى إعادة تأهيل.
كذلك جيل النزوح "وهو الأطفال" الذين لم يعرفوا بيوتهم بأشكالها المستقرة وإنما تفتّحت عيونهم أو مداركهم وهم في مخيّمات أو حالة عدم استقرار سوف تنعكس هذه عليهم في المستقبل ويكون لدينا مئات الآلاف من الأطفال الذي يكبرون ليصبحوا شباباً مضطربين نفسياً على أقل تقدير.
للأسف الدولة لا تأخذ هذه الاعتبارات بالحسبان، لا يوجد وعي لدى المسؤولين بأننا نكوّن أجيالاً من اليمنيين عاشوا في ظروف عنيفة وغير مستقرة وأنهم بحاجة إلى رعاية نفسية وإعادة تأهيل، يتم التفكير غالباً بالاحتياج الجسدي المباشر مثل إعادة الإعمار وإيجاد فرص اقتصادية واستمرار وقف العنف؛ لكن لا تأخذ الدولة بشكل جدّي العواقب النفسية والاجتماعية، وهذا أمر مقلق وسوف نعانيه قريباً جداً.
ولكن في إطار غياب الإرادة السياسية لحل هذه المشكلة يجب أن تلعب منظمات المجتمع المدني والمراكز الدينية والثقافية دورها لتغطية هذا العجز؛ لأن كل فرد من النصف مليون يمني الذي عانى التشرد والنزوح سوف يتعامل في حياته ويؤثّر على عشرة آخرين على الأقل؛ وبالتالي سيمتد التأثير إلى 5 ملايين يمني، وتصبح ظاهرة اجتماعية لن نستطيع معالجتها بسهولة، والشاهد هو من البلدان الأخرى مثل العراق وسوريا ولبنان خير برهان.
yteditor@gmail.com
في الخميس 17 يوليو-تموز 2014 03:13:59 م