|
لم يحدث في تاريخ تنظيم «القاعدة» الدموي في اليمن أن ارتكب حماقة كتلك التي أقدمت عليها جماعة الحوثي عند اقتحام عمران.
يظهر تنظيم «القاعدة» أكبر قدرٍ من الحرص على أرواح أتباعه، ومن الصعوبة بمكان اقتناصهم، هو يقتلهم لكن بقدر محدود ومسؤولية على أرواحهم، لكن مقابل هجمات إرهابية تستيبح أرواح خصومه المحدّدين بالجيش والأمن غالباً.
لست محابياً التنظيم الذي يقوم على فكرة العنف والإرهاب، إن قلت إنه وحتى الآن يتجنّب قدر الإمكان استهداف المدنيين، ويحصر عداوته المباشرة على قوات الجيش والأمن، أما غير المباشرة فهي تطال حتى الأجنّة في بطون أمهاتهم، حتى المشهد المروّع الذي كشفته كاميرات وزارة الدفاع من استباحة لدماء المدنيين، إنما كان في استهداف منشأة طبية ملحقة بوزارة الدفاع ويُفترض أن روّادها من منتسبي الجيش وبعض الكوادر الطبية، لكن لو قدّر للكاميرات أن تسجّل ما دار في محافظة عمران لسجّلت وقائع لقتل جماعي وحشي يشيب لهوله الولدان..!!.
أناقش هنا الفرق بين منهجي القتل لجماعتين مسلّحتين تهدّدان حياتنا كشعب؛ هما تنظيم «القاعدة» والحوثيون، فالأول يهاجم منشآت عسكرية وأمنية الثابت لديه – كما هو مفترض لدينا - أن لا مدنيين مستهدفين غالباً فيها، ويخوض غزواته بأقل قدر من التوقُّعات لعدد الضحايا من مقاتليه، فيما لا يبدي الحوثي أي اكتراث لفاتورة المغامرات، وخصوصاً لجهة حصيلة القتلى من أتباعه والمدنيين.
دعونا من الحديث العاطفي عن طريقة القتل الشجاعة المبنية على المواجهة أو مثالية تخفيف ضحايا الخصوم باعتبارهم من بني الإنسان، فمدنيو جماعة الحوثي من خاضوا الحوار يتباهون بقتل عشرات الآلاف من الجنود خلال حروب صعدة..!!.
سيطرت «القاعدة» «أنصار الشريعة» على أبين دون أن تغامر بحياة أتباعها ولا بحياة المدنيين؛ لأنه لم تكن هناك معركة ولا اجتياح من حيث الأساس؛ بل كان هناك فراغ أمني تزامن مع انتفاضة 2011م ضد نظام صالح شغلته الجماعة ـ أياً كان توصيف ذلك تسليماً أو سيطرة ـ وما كان نزوح المدنيين بعدها إلا خوفاً من معركة واردة مع الجيش تتحوّل معها المنطقة إلى ساحة حرب.
أحياناً يضطر مقاتلو «القاعدة» إلى الانسحاب من مواجهة الحملات العسكرية، مع أنهم يمتلكون إمكانيات المواجهة والثبات أياً كانت النتيجة النهائية، لكنهم يبدون أشد الحرص على أتباعهم من القتل الجماعي وعلى المناطق التي سيطروا عليها دون معارك استباحة وفرض سيطرة، بل وغالباً بسبب فراغ وغياب كلّي للدولة في تلك المناطق.
لا يهتم التنظيم لخوض معركة “إثبات وجود” تكون معها النتيجة مؤلمة على أعضائه كتلك التي يخوضها الحوثي، هو نفّذ غزوات على مدن ومواقع عدّة، لكنه كان يتحيّن الوقت الأكثر ملاءمة لها بما يخفّف قائمة القتلى من أتباعه ويحصر الضحايا من غيره في العسكريين والأمنيين الذين يقتلهم بدم بارد بلا حساب، لكن المدنيين لا يُقتلون إلا عرضاً، وتلك حقيقة يجب أن نعترف بها؛ لكن مغامرة جماعة الحوثي أزهقت أرواح 200 مدني بينهم نساء وأطفال قُتلوا في بضعة أيام من شهر رمضان خلال غزوة عمران، وفقاً لمنسّق الشؤون الإنسانية.
“داعش” بنسختها اليمنية ـ وإن كان خطاب زعيمها ورجاله يشكو “الداعشيين” دون الالتفات إلى بين أقدامهم ـ لديها كتائب مقاتلون يُساقون إلى الموت وهم يعلمون، وتقوم بمغامرات لم يجترحها تنظيم «القاعدة».
داعش الحوثي لا تتورّع في أن تستبيح مدينة بـأكملها وتغامر بحياة ومصالح الآلاف من أتباعها ـ قبل الخصوم، قبل المدنيين ـ الذين ساقتهم أقدارهم لأن يكونوا في خط النار مقامرين ومحاربين جدداً؛ لا تكترث مطلقاً للأرواح ولا يعنيها شيء سوى النتيجة، وثمّة شاحنات تتسع لعشرات القتلى وحفر تؤويهم جماعياً..!!.
مثل هؤلاء لا يردون في خطابات زعيمهم، حتى من قبيل الترحّم عليهم؛ إذ أمجاده الزائفة تصنع على جثثهم؛ هم ليسوا أكثر من وفرة بشر لا قيمة لهم إن لم يضحّوا ويموتوا تنفيذاً لتوجيهات سيّدهم، وحتى قيمتهم بعد أن يُقتلوا في معركة كاذبة خاطئة لا تحضر؛ حتى مجرد إشارة ترحُّماً، حتى على شاكلة سلطات دولتنا التي لا تبخل على ضحاياها مكشوفي الظهر والسند والدعم من دعوة بالرحمة ووعد عقيم بالقصاص، ووصف بـ«الشهداء» لا يعني شيئاً لأهلهم مقابل مصابهم الفادح.
ما الفائدة من التنظير عن منهج القتل إذا كانت الحصيلة هي مقتل المئات، من الطرفين، وإعاقة أضعافهم، وبينهم مدنيون بالضرورة، جميعهم يُقتلون بخفّة لمجرد كسب الرهان..؟!.
ما الفرق..؟! بالنسبة للأرقام؛ بالتأكيد الكفّة راجحة لحساب الجماعة المسلّحة المنادية بالدولة المدنية، فما تسبّبت به مغامراتها في بضعة أشهر معارك في مناطق عمران ربما لم توقعه هجمات «القاعدة» في سنوات في مختلف أنحاء اليمن؛ لكن منظّرو الحوثيين يُعلُون كثيراً طريقتهم في القتل، فهم لا يقتلون بسيارات مفخّخة ولا بانتحاريين، وكأن الحياة تصبح رماداً، وإزهاقها بغير وسائل «القاعدة» إحدى قربات السماء.
تنظيم «القاعدة» صريح بما يكفي ليجاهر بعدائه وخصومته الواضحة للدولة واستهداف مؤسساتها وجنودها، ويقتل بطريقته لتحقيق دولته الخاصة، وهؤلاء يخوضون مغامرات ويقتلون الأضعاف بدم بارد لتحقيق مشروعهم الخاص، الفرق أنهم يجيدون التدليس والخطاب عن الدولة المدنية ومراكز القوى والحكومة، ويقتلون باسم المشروع المدني..!!.
مشروع الحوثي المدني لن يأتي إلا لحكم شعب يعيش في المقابر والبقية ينتظر ورود تلك المنازل تحت رحمة داعش الحوثي القائمة، أو أخرى قد تولد بفضلها لأداء مهمة الانتقام الذي لن يكون أقل وحشية من سابقه، وذلك ما لا يحسبون حسابه ولا يعبأون له بالتأكيد، طالما أن القتلى مجرّد وفرة بشر؛ موتهم في سبيل المشروع البدائي المتخلّف أفضل من حياتهم في ظلّه.
saminsw@gmail.com
في السبت 19 يوليو-تموز 2014 05:41:27 م