|
يقول اتين دي لابوتسيه في كتابه الأشهر «مقالة في العبودية المختارة» أحد أهم وأشهر النصوص السياسية فى التاريخ الأوروبي التي كتبت في القرن السادس عشر:
«الشعوب إذاً هي التي تترك القيود تكبّلها، أو قل إنها تكبّل أنفسها بأنفسها مادام خلاصها مرهوناً بالكف عن خدمته "أي الطاغية" الشعب هو الذي يقهر نفسه بنفسه ويشق حلقه بيده، هو الذي يملك الخيار بين الرق والعتق؛ فترك الخلاص وأخذ الغل، هو المنصاع لمصابه، أو بالأصدق يسعى إليه، فلو أن الظفر بحريته كان يكلّفه شيئاً لوقفت عن حثه: أليس أوجب الأمور على الإنسان أن يحرص أكبر الحرص على حقه الطبيعي وأن يرتد عن الحيوانية ليصبح إنساناً..؟! ولكنني لا أطمع منه في هذه الجُرأة، ولا أنا أنكر عليه تفضيله نوعاً آمناً من أنواع الحياة التعسة على أمل غير محقّق في حياة كريمة، ولكن إذا كان نوال الحرية لا يقتضي إلا أن نرغب فيها، وكان يكفي فيه أن نريد، أكنا نرى على وجه الأرض شعباً يستفدح ثمناً لا يعدو تمنيها، أو يقبض إرادته عن استرداد خير ينبغي شراؤه بالدم، ويستوجب فقده على الشرفاء أن تصبح الحياة مرّة عندهم والموت خلاصاً..؟!».
« 2»
كثير من المؤرخين يقولون إن هذا الكتاب هو الذى مهّد للثورات فى كل أوروبا وبالذات الثورة الفرنسية؛ أي أنه الممهّد الثقافي الموضوعي للانتقال إلى عهد الجمهوريات، ومما جاء فيه:
و«المرعب هو تحوّل المقهورين إلى "جموع السعداء" في خدمة قاهرهم، بل كيف يتحوّل الخوف من الطاغية إلى ثقافة تسود المجتمع بأكمله ويستمر المحكومون في عبوديتهم التي تتلبسهم في أدق تفاصيل حياتهم؛ فيستسلمون للقهر ويقرّون بالعجز والدونية، فلا يجدون أمنهم وسلامتهم إلا في الخضوع والخنوع والاستكانة والإهانه والذل والنفاق والرشوة في تصريف حاجاتهم الحياتية اليومية ويخضعون لسطوة "الطواغيت الصغيرة" المستنسخة في أجهزة الأمن ورؤساء الإدارات».
الطاغية ببساطه يستقوي "بخنوع الجموع السعيدة" يبتهج بانقيادهم وخضوعهم له، فيوظّفهم كأشياء وقوالب معدّة لخدمة خياله الشخصي ولتغذية إحساسه المفرط بالعظمة الذي لا يرتوي حتى يلبس التراب.
إن من يظن أن الرمّاحة والحرس وأبراج المراقبة تحمي الطغاة يخطئ في رأيي خطأ كبيراً، ففي يقيني أنهم يعمدون إليها مظهراً وإثارة للفزع لا ارتكازاً عليها، فالقوّاسة تصد من لا حول لهم ولا قوة على اقتحام القصر، ولكنها لا تصد المسلّحين القادرين على بعض العزم.
وفى تشبيه دقيق يشبّه الطاغيه بالنار التي وقودها طاعة الناس وخنوعهم وخضوعهم له وفي تمردهم وإبائهم انطفاء هذه النار: «إن الشرارة تستفحل نارها وتعظم كلما وجدت حطباً فتزداد اشتعالاً ثم تخبو وحدها دون أن نصبّ ماءً عليها؛ يكفي ألا نلقي إليها بالحطب كأنها إذا عدمت ما تهلك؛ تهلك نفسها بنفسها، وتمسي بلا قوة وليست ناراً، كذلك الطغاة كلما نهبوا طمعوا، وكلما دمروا؛ زادوا جُرأة واستقووا، فإن أمسكنا عن تموينهم ورجعنا عن طاعتهم صاروا عرايا مكسورين لا شبه لهم بشيء إلا أن يكون فرعًا عدمت جذوره الماء والغذاء فجفّ وذوى».
fathi_nasr@hotmail.com
في السبت 23 أغسطس-آب 2014 10:23:18 ص