|
قلنا إن من مآثر التاريخ اليمني أن اليمن كان حاضناً للفرق الإسلامية المختلفة، وكان ملاذاً آمناً للهاربين من بطش المراكز الدينية والسياسية في العراق والشام ومصر، ومع الأيام وتوالي الحقب والسنين تبلورت الوسطية الدينية في اليمن بوصفها الرافع الأكبر للتعايش والتواشج حد التكامل، وكما أسلفنا بيّن لنا الإمام الشوكاني هذه المثابة الاستثنائية التاريخية التي ميّزت اليمن عن غيره من حواضر العرب والمسلمين، فالمذهبان السائدان لا يختلفان في الأُصول والفروع، والحاكمية اليمانية التاريخية لم تجابه منطق الخروج السافر بحد السيف، وما تلى «ثورتي سبتمبر وأكتوبر» جسّد حالة عصرية مُغايرة، فيما بلور فكرة التناوب التقليدي للسلطة، وذلك عطفاً على سلسلة الرؤساء الذين تناوبوا الحكم في اليمن.
من فداحات هذه الأيام أن اليمن أُصيب بداء التطرف كغيره من بلدان العرب والمسلمين، وتبلور هذا التطرف بدايةً في البُعد السلفي الجهادي «نموذج طالبان» الذي تغلغل بعد الوحدة، مستفيداً من التسامح ومراهقات التعددية الجنينية التي ترافقت مع مكايدات سياسية بائسة، فيما ساعد هذا الحضور السلفي الناتئ على بلورة المُضاد الطبيعي له متجسداً في استدعاء فقه الخروج التاريخي عن الحاكمية، ومن سخريات القدر أن تكون «صعدة» حاضناً للمستويين لأسباب سيجليها التاريخ حتماً، وبهذه المناسبة لابد من الإشارة إلى أن مفهوم الخروج ليس حكراً على مذهب بذاته، كما أنه ترافق تاريخياً مع التقلبات السياسية والأحوال المُـتعسرة، وكان في مجمله تعبيراً عن فتنة دائمة تأكل الأخضر واليابس، ولهذا السبب كرّس فقهاء الشافعية والزيدية اليمانيتين فكرة التصالح مع المرجعية الدنيوية، ومُناصحة الحاكم، وعدم الانجرار وراء الخروج، باعتبار أن النتائج ستكون أفدح، والعواقب أشد.. إذا ما تم الإخلال بميزان المجتمع والحياة .
سنجد مثل هذه النظرات عند كبار أئمة الوسطية الشافعية والمعتزلة الزيدية الحكيمة، وسنعرف أن ما يجري الآن وجرى بالأمس القريب إنما هو بضاعة مستورة من تواريخ المتاهات والحروب.
Omaraziz105@gmail.com
في الأربعاء 27 أغسطس-آب 2014 10:39:24 ص