ثمن المكان التاريخي
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
 في الصومال تقاتل فرقاء المتاهة الدموية الأهلية عشرين عاماً؛ لكنهم في نهاية المطاف ارتضوا الحوار جبراً لا خياراً، والتوافق على قاعدة دولة فيدرالية لا مركزية، ومن حسن حظهم أن التجانس الإثني والديني الشامل وفَّر على الصوماليين محنة الذهاب إلى المراتبية القاتلة للمواطنة، فكانت الفيدرالية هي الخيار العاقل والممكن؛ ذلك الخيار الذي يستوعب الجميع على قاعدة المواطنة المتساوية بالمعنى القانوني للكلمة. 
وفي العراق تمَّ تعميم النموذج اللبناني من خلال تكريس المكوّنات الطائفية بوصفها المعادل المعياري للمشاركة والمسؤولية، وتلك فادحة أُخرى من فداحات الحروب البينية الداخلية، لكن الحالة العراقية اختلفت في إيقاعها ومصائرها عن الحالة اللبنانية في النظر إلى تعقيد المكوّنات الدينية والإثنية والطائفية العراقية قياساً بلبنان، كما أن “البلاتفورم” العراقي يتَّسع لحروب عظمى بالوكالة، شاهدها تاريخ العراق المترع بمحنة المكان وإكراهاته المستمرّة. 
يدفع العرب ثمن المكان التاريخي، ولا مفر لهم من ذلك، ولا يمكنهم مواجهة هذا الثمن الفادح إلا بذات الأدوات الحكيمة التي حوّلت أوروبا من قارة قتال وحروب كونية إلى فضاء يتَّسع للجميع، على قاعدة المواضعات القانونية والتكريس المؤسسي للنظام، واعتبار أن الدولة هي الجهة الوحيدة الأمينة على القوة القهرية والجبروت المؤسّسي والسيادة القانونية. 
على العرب التائهين في دروب البروفات البائسة استذكار هذه الأمثلة التاريخية ليعرفوا المغزى القاتم للحروب الأهلية الكفيلة بإعادة إنتاج بؤسها ودمارها بمتوالية صاعدة. 
فالقابعون وراء «ثقافة الحرب العدمية» سرعان ما يتحوّلون إلى أُمراء حرب اعتياديين، وجموع الشعب الغفيرة التي وقعت في رثاثة الفقر الأسود؛ سرعان ما يتحوّلون إلى وقود لنيران الحروب الحامية، وعتاولة الإجرام والجهل سيتحوّلون إلى قياديين قتلة على طريقة “روبسبيير” الذي حوَّل شعارات الثورة الفرنسية الكبرى إلى مقاصل وإعدامات ودماء تنزف..!!. 
Omaraziz105@gmail.com 


في الجمعة 05 سبتمبر-أيلول 2014 08:59:59 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1749