هروب الُجبناء
استاذ/عباس الديلمي
استاذ/عباس الديلمي
إلى الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح 
يهرب الجُبناء إلى ثلاث جهات، إلى الحرب، وإلى الكذب وتزييف الحقائق، وإلى الفجور في الخصومة. 
كيف يهرب الجبان إلى الحرب..؟! هذا ما لفت نظري يوم الـ19 من يونيو 1973م ـ وأنا تلميذ في الثانوية العامة ـ عند سماعي عبر المذياع لأستاذ اليمن وحكيمها أحمد محمد نعمان وهو يلقي كلمة في الجامع الكبير بصنعاء، يؤبّن فيها زميله الشيخ الشهيد محمد علي عثمان الذي قُتل غدراً وغيلة. 
لقد لفت نظري وشدّ انتباهي قول الأستاذ نعمان: “قال أحد المُصلحين إن الحرب أقصر طريق للجُبناء، يهربون إليها فراراً من مشكلات السلام”. 
عبارة ذات معانٍ شدّت انتباهي، وظللت أسأل نفسي: كيف يهرب الجبان إلى الحرب..؟! حتى وجدت الإجابة في المقولة إيّاها، وهي أنه يهرب من مشكلات السلام، وسرعان ما تبادر إلى ذهني قول الرسول “صلّى الله عليه وسلّم”: “خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” أي من الحرب إلى السلام، من حرب القتل والقتال إلى حرب البناء والتنمية وتلبية احتياجات الناس ورسم معالم وجه مستقبل الأجيال، وما يصحب ذلك من عدل ومساواة وكفالة للحقوق والحريات. 
وقلت لنفسي: حقاً إن الجبان يهرب فارّاً من معركة الجهاد الأكبر ومشاكلها التي يعجز عن حلّها وأعبائها التي هي أكبر من أن يقوى على حملها إلى معارك وحرب القتل والقتال التي لا تحتاج منه إلا إلى شيء من الغدر والتهوّر، لتجعل منه أميراً من أمرائها أو من اصطلح على تسميتهم بـ “أمراء الحرب”. 
أعتقد أن الأمر قد اتضح بقدر كبير، ولننتقل إلى المكان الثاني الذي يهرب إليه الجُبناء، وهو الكذب وتزييف الحقائق؛ فهناك صنف من الجُبناء يفرّون هرباً من معارك الفكر والعقل ومواجهة الكلمة بالكلمة والحجّة بالحجّة والدليل المنطقي بما يقابله، يهربون إلى تزييف الحقائق بالتدليس والمغالطات وادعاء امتلاك الصواب، واستخدام كل أنواع وأساليب الكذب بما فيها من دناءة وخسّة دون تحرُّج من فضيحة، وهذا الصنف من الجُبناء لا يحتاج كشفه والتدليل عليه إلى أدنى جهد، خاصة في عصرنا ومستجداته الأخيرة التي أقحمت كثيراً من القيم النبيلة وفي مقدّمتها الدين، في صراعات تزييف الوعي وتحقيق مآرب دنيوية كثيرة؛ كالتآمرات والمخطّطات الاستخبارية، والهيمنة والمكاسب والأغراض النفعية.  
إنه لأمر جلي لكل ذي عين وسمع وبصيرة، شأنه شأن ضوء الشمس الذي لا يحتاج إلى دليل ولا تحجبه غيمة عابرة، لننتقل إلى المكان الثالث لنرى من به من الجُبناء الذين يستهويهم الهروب إليه ،إنه المكان الذي يهرب إليه جبناء الفجور في الخصومة والضيق من الاختلاف في الرأي، فيلجأون إلى الاحتماء بالجريمة بكل مكوّناتها من خساسة الغدر والمكر والكذب والتزييف؛ لأنهم جُبناء يفرّون هرباً من عداوة العاقل وخصومه واختلاف الفرسان للاحتماء بما هو دنيء في غدره، مشين في أفعاله، فلا يتورّعون عن قمع المخالف وكبته واستضعافه بكل ما يُتاح لهم من وسائل الإرهاب الفكري ،بما فيها إشعال حرائق الفتن ،الملعون من أيقظها ولا يتردّدون عن قتل الخصم إن تمكّنوا من ذلك أو لاحت فرصة لاغتياله أو بأي وسيلة إجرامية أعدّوا لها مسبقاً ما استطاعوا من المغالطات والتضليل والكذب وشراء الذمم والسكوت عن الحق. 
إنهم أولئك الذين إذا ما أجبروا على معرفة أنفسهم؛ وجدوا أنهم أضعف من أن يواجهوا باقتدار وينافسوا بنُبل، وأن قوّتهم في ضعفهم، فيلجأون إلى حيث يعتقدون أنه يعصمهم، فيشرعون في رشق من يخافونه، ولا يقبلون اختلافه معهم، بأسهم التحريض والتكفير والكذب والتزوير وكل ما يمكّنهم من الاستقواء بالغير لتمرير ما يسعون إليه.. وفي هذا المجال ـ أي الاستقواء بالغير ـ يسلكون سلوك “من لا يستحي من فعل ما يشاء” فلا يكتفون بتزوير وتزييف التاريخ والوقائع وما له حُرمته حتى تنطلي كذبتهم بأن المُصلح أو العالم أو المؤرّخ الفلاني تتوافق رؤيته وتوجُّهه، بل تمتد أيديهم إلى مواقف ورؤى وأفكار من هم أحياء يعيشون بين ظهرانيهم ،كما حدث لأستاذنا الشاعر الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح حين أقدموا أكثر من مرّة على انتحال اسمه أو تزوير وتشويه عمل من أعماله الإبداعية دونما حياء أو خجل أو خشية من فضيحة؛ مادام الغرض هو التلويح بأن هذا المفكّر والشاعر يتفق معنا في التوجُّه وما نسعى إليه. 
هذا مجرّد مثل لفضيحة موغلة في الحقارة مازلنا نعيش أصداءها، وما أكثر ما نعايشه اليوم من فضائح الكذب والتقويل والتزييف المشابهة في المجال السياسي والأدبي ،لم أنجُ منها أنا وغيري من قِبل أولئك الذين أجدها فرصة لتذكيرهم بإقدامهم على جريمة تحوير وتزييف أحد أعمالي الإبداعية في العام 2011م ونشرها في بعض مواقعهم المنحطّة للإساءة إلى الرئيس السابق ونجله. 
بعد أن أشرنا إلى أبرز ثلاثة أماكن يهرب إليها الجُبناء؛ أكتفي بتلك الإشارة وأقول لأستاذنا وكبيرنا الدكتور عبدالعزيز المقالح: لا تكترث ولا تبتئس نحن والناس أجمعون نعرفهم جيداً. 



في الإثنين 08 سبتمبر-أيلول 2014 12:00:23 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1767