ثقافة تعددية
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
الثقافة العربية تعدّدية؛ لأن ما جاءنا من نتاج ثقافي تاريخي كبير كان موصولاً بتفاعلية شاملة مع الحضارات الإنسانية التي سبقت ظهور وانتشار الإسلام. 
ويمكننا هنا أن نعدّد أثر الثقافتين الإغريقية البيزنطية من جهة، والفارسية الهندية من جهة أخرى، فكلتا الثقافتين كان لهما أثر كبير على علوم الكلام والفلسفة والتوصيف مما يتسع له الحديث. 
كانت الثقافة اليونانية ثقافة تجسيم وتجريد، تشبيه وتنزيه، فقد كانت - بحق - ثقافة تعدّدية رسّخت أصولاً ونبشت مواضيع كثيرة، وقد رحلت إلى العالم «العربسلامي» عبر مصر والشام، واجترحت تلاقحاً كبيراً، حتى إن مقولات الوجود والعدم، والظاهر والمُستتر، والشريعة والحقيقة كانت على صلة جدلية مع رؤى الأغارقة، وقد قام الفلاسفة العرب والمسلمون بتبْيئة بضاعة اليونان وتكييفها على مقتضيات الشريعة، فيما ذهب البعض إلى المناحي الشكّية الجدالية الجامحة. 
وكان للثقافة الفارسية أيضاً أثرها المؤكد، وهي الثقافة التي تقاطعت تاريخياً مع الامبراطورية البـيزنطية الرومـانية ونوامـيسها المـعرفية والمؤسسية، وتشاركت معها في فلسفة التأمل والرؤية البحثية والتجسيد، وهو أمر فارق بهذا القدر أو ذاك، الطبيعة العربية المجبولة على التلقائية وسرعة البديهة وحُسن البيان ومركزية الثقافة الشفاهية، وتلك سجايا ورثها العرب من أسلافهم الجاهليين وظلّوا يتحصّنون بفتوّتها الدهرية حتى وهم في قلب المشروع الإسلامي الكبير. 
المركزية الشفاهية في ثقافة العرب شكّلت خصوصية هذه الثقافة، بل تميّزها عن الثقافات البيزنطية اليونانية والهندية والفارسية، فقد كان العرب يدوّنون قليلاً شفاهياً بصورة أكبر، وهو الأمر الذي حرّك لديهم سرعة البديهة والفراسة والسرعة في القول مع قدر كبير من حصافة المعنى ودقّة المبنى. 
وكانت هذه الشفاهية الثقافية موصولة بفنون الاتصال الإشاري «غير اللفظي» كما جاء القرآن الكريم شاهداً على ذلك وحجّة أعجزت العرب وجعلتهم يتراجعون عن كبرياء الرفض العدمي الفروسي المتعصّب، وينصاعون لتعاليم الدين الحنيف. 
ليست الثقافة الشفاهية مثلبة، ولا هي مرتكزة على «القول» فحسب ـ كما قد يتبادر إلى الذهن من خلال توصيفها بالشفاهية ـ بل إنها احتملت تضمينات دلالية أشمل من الكلام المقول عبر الصوت، وكانت حاملاً كبيراً لرؤى متعدّدة كما نجد عند امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى. 
Omaraziz105@gmail.com 


في الثلاثاء 09 سبتمبر-أيلول 2014 07:37:41 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1768