|
لا يمكن للمراقب المحلّي إلّا الاعتراف أن السنوات الثلاث المنصرمة حيث شاهدنا تفكيكاً حقيقياً لبنية السلطة؛ أو لنقُل مجازاً ضرب أركان مثلث السلطة التي كانت – ولا تزال – قائمة على الأجنحة العسكرية والقبلية والمالية.
إن هذا التحول - في تقديري الشخصي - أمر طبيعي بالنظر إلى مسألتين ملحّتين:
الأولى: ربما تكون في التجاذب الاجتماعي الداخلي جرّاء وصول النُخب الحاكمة إلى طريق مسدود في استكمال مشروعها الوطني.
أما المسألة الثانية فترتبط بصورة واضحة في تطوّرات المنطقة واشتداد التنافس بين عواصم القرار في الإقليم على مراكز النفوذ التي تجري أحداثها بقوّة في عواصم الحضارة العربية كمصر والعراق وسوريا واليمن وبعض عواصم المغرب العربي، حيث بات جلياً احتدام الصراع الإقليمي داخل هذه الدول التي لايزال بعضها يعيش احتراباً أهلياً مدمّراً فيما تجاوزت مصر واليمن – حتى الآن – الانزلاق إلى مخاطر هذا الاحتراب المخيف، ولايزال كل من البلدين يعمل على صعيد بناء مشروعه السلمي القائم على الشراكة الوطنية.
إن هذه التطوّرات تلقي بظلال كثيفة على المشهد اليمني وتحديداً من حيث انسحاب تلك التجاذبات الحادّة بين دول الإقليم لبسط سيطرتها ونفوذها ومركز القرار فيها – دون شك – العواصم الإيرانية والتركية والسعودية والتي تبدي جميعها حتى الآن تفهّماً للحالة اليمنية رغم اتساع شقّة الاختلاف بين عواصم تلك الدول حيال التطوّرات المتسارعة في دول المنطقة.
ولا شك أن التساؤل الأبرز في هذا الإطار عمّا إذا كان لدى قيادات هذه العواصم الرغبة في إزالة صواعق توازن الرعب بينها من أجل استتباب الأمن والاستقرار في الدول العربية التي تعيش هذا الربيع المحزن من الدم والاحتراب، وأشير هنا تحديداً إلى ضرورة مضي هذه الدول الإقليمية في تجنيب اليمن مغبّة الوقوع تحت تأثير سيطرة هذا الرعب، وبالتالي تشكيل حالة إيجابية لدعم هذا البلد في إنجاز التوافقات داخل الأسرة اليمنية ولما يجنّبها الدخول في متاهات الاحتراب الأهلي.
وفي الحقيقة فإن ثمة إشارات واضحة الدلالة يباركها المجتمع الدولي من أجل تهيئة الظروف الملائمة لخلق حل شامل للقضية اليمنية، حيث تجلّى ذلك واضحاً في اللقاء السعودي ـ الإيراني الأخير، فضلاً عن مباركة هذه الدول وغيرها التوافق اليمني؛ وكلها إشارات إيجابية تومئ بأن ثمة رغبة إقليمية وأممية لمساعدة اليمنيين على تجاوز هذه الأزمة والخروج بترضية ممكنة حتى يتمكن المجتمع من وضع عربات قطار التسوية في موضعها الصحيح.
ويبقى الأمل أن نرى اليمن في منأى عن سياسة توازن الرعب بين دول الإقليم، والأيام وحدها كفيلة بتبيان ما إذا كنّا سنغرق في هذا المستنقع أم أننا سننجو منه.
في الثلاثاء 30 سبتمبر-أيلول 2014 08:19:40 ص