|
ليست الحرية والتغيير ثيمتين ثوريتين فقط؛ فهما ثيمتان نصيّتان كذلك، الثورة نتاج لائق بالتغير الثقافي، وهي بوقائع وتداعيات متراكمة ونشطة محورها تجاوز السائد المنمط بجدارة الانبعاث الإدراكي بحيث يطمئن الجوهر لانغماسه في الما بعد، فيما تقود المفاهيم المعرفية إلى تحوّلات عميقة جداً.
فإذا كانت الثورة فعلاً نصّياً يُصاغ بالمخيلة الجماعية، والنص فعلاً ثورياً يُصاغ بالمخيلة الفردية، فإنهما يجسّدان معاً، تلك اللحظة النوعية الفارقة - في توتر تطابقهما الإبداعي المنفرد مع التحوّل وضد الجمود - نحو توافق العام بالخاص حسّياً وشعورياً وعقلياً ومعنوياً ومنطقياً ونفسياً ولا منطقياً أيضاً.
وتبدأ الكتابة النصّية مثل الفعل الثوري: بهزة عنيفة متألقة في المعنى لتفضي إلى معنى جديد شديد الإبهار والتميُّز والجدوى التاريخية، بينما ترتبط الثورة - من منظور التفاعل الفاعل وسؤال الكتابة وسؤال الحياة - بحيوية الذائقة المستقبلية التي لا تشيخ، كما يمكن القول في هذا السياق إن الشعر هو المجال الخلاق الذي يفيض بطزاجة الخصائص الثورية تماماً؛ ذلك أن الثورة كفعل ملهم بامتياز، لا تنتج مجتمعاً جديداً فقط، وإنما مخيلة خصبة، ورؤى أكثر حداثة على صعيد الفكر وحساسيته المغايرة أدباً ووعياً وذوقاً وتنويراً... إلخ.
يقول أحدهم إن كل ثوري عظيم هو فنان عظيم أيضاً؛ في حين تبدو الثورة السلمية من أهم مراحل القيم المدنية كذلك، غير أن للكتابة المختلفة بالتأكيد أبعادها المدنية قيمياً ورمزياً، ليس من ناحية الوجدان والروح فقط، وإنما من ناحية التوق الحضاري والنهضوي أساساً؛ بمعنى أن الثورة والنص توأمان مثاليان ينطويان - في سياق شغفنا الإبداعي الشاق ذاتياً وشعبياً - على بؤرة مكابدات الثقافة الإنسانية السوية وهي في أروع صيغها جمالاً من أجل الحرية والتغيير.
fathi_nasr@hotmail.com
في السبت 18 أكتوبر-تشرين الأول 2014 01:40:05 ص