فقاعة مذهبية بائسة..!!
دكتور/د.عمر عبد العزيز
دكتور/د.عمر عبد العزيز
من الخصائص المميزة لليمن التاريخي أن المذهبية فيه لم تكن تميل إلى الغلو والتطرُّف بحال من الأحوال، ولهذا السبب بالذات كانت اليمن ملاذاً للفرق الإسلامية الهاربة من جور وظلم المراكز السياسية في الدولة الإسلامية، فقد وجدت الزيدية والاباضية والاسماعيلية بيئة سلم وسلام، وازدهرت في الأرض اليمانية دونما قيود أو مشاكل. 
انطلقت الزيدية التاريخية من فكر المعتزلة الذين شكّلوا رافداً كبيراً من روافد «علم الكلام والآراء» وقالوا بأهمية العقل ومركزية الإنسان في أفق التفسير والتأويل، وذهبوا إلى اعتماد التجويز الميتافيزيقي لجملة من قضايا الخلاف حول الغيبيات كإشكالية القديم والمحدث، وطبيعة الظواهر الغائبة عن الوجود المرئي، وغيرها من المواضيع التي كانت أساساً في الجدل الكلامي العربي الإسلامي. 
وفي المقابل كانت السنّة الأشعرية قريبة من تلك النظرات مع ترجيح النقل على العقل والأخذ بظاهر النص، والقول بطاعة ولي الأمر، لكن الغلو لم يكن أصلاً أصيلاً في المستويين، ولهذا السبب جاء اجتهاد الإمام “الشوكاني” الذي أسهم وإلى حد كبير في تقريب الزيدية من السنّة، حتى قال عنه البعض إنه أدخل الزيدية في بحر السنّة، ومنذ ذلك الحين كان الصراع في اليمن صراعاً سياسياً بامتياز، فالسنّة والزيدية لا يختلفون في الأصول، ولا نجد في اليمن جدراناً سميكة تفصل بين المستويين بل العكس تماماً. 
وإذا تتبّعنا تاريخ الحركات الإصلاحية والسياسة اليمنية سنجد أن مراتبها التنظيمية وأفرادها الفاعلين وبرامجها كانت تشمل كل اليمن حتى في ظل النظامين الشطرويين، ولم يكن أحد يفكر أو يعرف الانتماءات المذهبية للأفراد، ولم تكن تلك الحرُّكات تأخذ طابعاً مناطقياً على وجه الإطلاق. 
ولقد كان بيان التاريخ ناصعاً في هذا الأفق، فالحاكمية الإمامية في شمال اليمن واجهت أكبر مقاومة من داخل المذهب، والقوى الحديثة التي تاقت إلى العصرنة والتحرير شملت عموم الساحة اليمنية ومثّلت الذاكرة الجمعية للرائين الناظرين إلى المستقبل. 
أقول هذا الكلام بمناسبة الاستزراع البائس لمذهبية تفتعل صراعاً مفارقاً تماماً لمنطق التاريخ اليمني، فيما تتناسل على قاعدة من التلاقح الخبيث مع أفكار مستوردة، لم يكن لها وجود في اليمن، وأزعم أنها ستخبو وتتلاشى كأية فقاعة مصيرها الزوال. 

Omaraziz105@gmail.com 


في الإثنين 27 أكتوبر-تشرين الأول 2014 02:01:09 م

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=1956