|
أحدّثكم متأخّراً بعض الشيء عن نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية، لكن ما يشفع لي حقيقة هو أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي أبداً.
مناسبة الحديث عن تلك النتائج الانتخابية؛ ليس فيما أفضت إليه من مخرجات عبّرت عن قناعات التونسيين تجاه التيارات والأحزاب والأشخاص الذين خاضوا معترك هذه الانتخابات بعد فترة من حكم الإسلام السياسي بقيادة حركة «النهضة» وإنما لأن هذه الانتخابات بما أفضت إليه، فضلاً عن تسليم مختلف الأفرقاء بنتائجها قد أحدثت هزّة عنيفة في جدار الأزمة الراهنة التي تعيشها ثورات الربيع العربي.
يُحسب للتجربة التونسية أنها قدّمت أنموذجاً حضارياً يحتذى على صعيد تطبيق الديمقراطية والتعددية، خاصة في منطقتنا العربية التي لم تتبلور فيها أية رؤيا حكيمة وموضوعية في إمكانية الخروج من أزمة الديمقراطية التي تعيشها أنظمة الحكم والمعارضة على حدٍّ سواء.
وليس جديداً القول كذلك إن التجربة التونسية قد تركت ظلالاً دافئة من التفاؤل في إمكانية أن تحذو حذوها عدد من الدول العربية الغارقة حتى أرنبة أذنيها في الدم، شريطة القبول بمبدأ التنافس الحُر والشريف على السُلطة عبر صناديق الاقتراع والتسليم بنتائج الانتخابات أياً كانت كما فعلت حركة «النهضة» التونسية.
هذه الحقيقة الغائبة عن الذهنية العربية هي التي تجعل من الأزمات القائمة تتأصّل في وجدان الفكر العربي أيضاً، الأمر الذي يدفع القوى السياسية داخل منظومتها إلى خوض صراعات مسلّحة لن تؤدّي في نهاية المطاف إلى نتائج إيجابية يتطلّع إليها أبناء شعوب هذه المنطقة.
وأحسب كذلك أننا في إطار هذه المقاربة بين ما آلت إليه التجربة الديمقراطية في تونس وبين الحالة التي وصلت إليها عديد من دول ثورات الربيع العربي؛ أحسب أنني ملزمٌ بتذكير القوى السياسية على الساحة الوطنية بهذا الإنجاز الحضاري الذي حقّقه أبناء تونس، بينما لاتزال التجربة اليمنية تتعرّض للعديد من محاولات وأدها وذلك بسبب روح الإيثار وتغليب مصالح الوطن على النزعات الأنانية الضيّقة الطاغية على المشهد الراهن خاصة أنه لا يمكن تفسير انصراف القوى السياسية والحزبية عن مضمار الاصطفاف لاستكمال ما تبقّى من مهام الفترة الانتقالية والشروع في اتجاه تأسيس قيم الدولة الاتحادية إلا في كون هذا الموقف السلبي حالة من العبثية التي ستفضي بالتجربة إلى الفشل والضياع؛ هذا إذا لم تذهب إلى مرارة الاحتراب، وما أدراكم ما نتائج هذا الاحتراب..!!.
في الأحد 02 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:24:36 ص