داعش والخلايا النائمة
عميد ركن/علي حسن الشاطر
عميد ركن/علي حسن الشاطر
 أخطر ما تواجهه دول المنطقة في الفترة الراهنة هو الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله, الذي يهدّد كياناتها ومقوّماتها وثقافتها ونسيجها الاجتماعي, وما لم يتم استئصاله بدءاً بتجفيف منابعه الفكرية ومصادر تغذيته المادية فستكون الكارثة مدمرة وساحقة لن تستثني أحداً، وهو ما يتطلّب توحيد كل الجهود وحشد الإمكانات والطاقات لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يستشري في جسد الأمة كالسرطان الخبيث. 
صحيح أن الحرب الدولية على تنظيم «داعش» قد بدأت, وأن أكثر من أربعين دولة تحالفت في هذه الحرب بقيادة أمريكا, لكن هذه الحرب لن تنجح إلا إذا رافقتها خطط عملياتية لملاحقة أوكار هذا التنظيم على الأرض وتُوفرت لها الإمكانات البشرية والمادية التي تكفل إحراز نجاحات ملموسة تصبح معها الضربات الجوية عاملاً مساعداً للقضاء على هذا التنظيم الذي يستخدم أساليب الكر والفر، ويتّبع أسلوب حرب العصابات القائمة على مبدأ "اضرب واهرب". 
لقد أصبح تنظيم «داعش» بما يمتلكه من قدرات عسكرية ومادية مصدر تهديد رئيسي للأمن والاستقرار الدوليين, ومع ذلك لا يجب أن يغيب عن الأذهان أن «داعش» ليس التنظيم الوحيد الذي يهدّد حاضر ومستقبل المنطقـــــة بخارطتها السياسية والاجتماعيــــة والدينية المتخمة حتى الثمالة بالتنظيمات الإرهابية والميليشيــات المسلحة الرسمية وشبه الرسمية التي تنشئها الأحزاب والقبائل المتصارعة, بالإضافة إلى الخلايا الإرهابية النائمة المتفرخة من تنظيم «القاعدة» والمتوثّبة لما بعد زمن «داعش» و«القاعدة» و«الأنصار» بمختلف مسمّياتهم, بعضها لايزال في طور التشكُّل والبعض الآخر في طور الكمون السياسي بينما جزء منها ناشط وفاعل. 
ويقف وراء تشكيل هذه التنظيمات والميليشيات تيارات وجماعات متسلّحة بفكر متشدّد وعقيدة متطرّفة, تستخدمها لتحقيق مصالح ومشاريع وأجندات فئوية عصبوية وتفكيكية, مع أن هذه الميليشيات لم تكن غائبة عن المشهد الأمني والسياسي في المنطقة وستظل كذلك في ظل وجود «داعش» أو عدم وجوده, وأنه في حالة إضعافه أو تدميره ستحل محلّه التنظيمات المتفرّعة منه ومن «القاعدة» لأن «داعش» سيتشظّى إلى كيانات إرهابية متعدّدة تشترطها حاجة بعض التيارات الاجتماعية أو السياسية أو الدينية لحماية ذاتها من سطوة وتسلُّط وابتزاز ميليشيات أخرى. 
من الناحية العسكرية يمكن القول إن الهدف المعلن لهذه الحرب في القضاء على «داعش» سيواجه صعوبات جمّة؛ فهذا التنظيم ينتشر ضمن نطاق جغرافي واسع، وأعداده تتزايد, والحرب عليه تعتمد استراتيجية الضربات الجوية؛ بينما التنظيم لا يمتلك قواعد وتجمعات ومنشآت عسكرية واقتصادية حيوية يمكن استهدافها وتدميرها ويكون لها تأثير كبير على قدراته العسكرية, كما أنه لا يمتلك جيشاً نظامياً ومعدّات وأسلحة ميكانيكية ثقيلة, بل يتشكّل من جماعات قليلة العدد أسلحتها خفيفة ومتوسطة, وتعتمد أساليب حرب العصابات والعمليات الإرهابية الخاطفة, وخلاياه تنتشر وتنشط داخل التجمعات السكانية, ولها حاضنة اجتماعية في مناطق تواجدها, وأي استهداف لأي من هذه الخلايا إنما هو استهداف لحياة وممتلكات ومقوّمات معيشة السكان والبنية الاقتصادية والوسط الاجتماعي الذي يتغلغل فيه التنظيم, الأمر الذي قد يرفع من تكاليف الثمن الذي ستدفعه الشعوب ويجعل من هذه الضربات التي تلحق الضرر بالسكان أمراً غير مقبول لدى الرأي العام حتى داخل الدول المشاركة في التحالف. 
وهو ما يحتّم على قيادة العمليات الحربية ألا تغامر في استهداف المنشآت الحيوية العامة التي ليست ملكية خاصة بـ«داعش» وإنما ملك الشعوب والمجتمعات, والاقتناع أن قوة «داعش» وخطره وقدرته على الصمود والبقاء نابعة من كونه تنظيماً فكرياً وعقيدياً, والفكر العقيدي إذا لم تجفّف مصادر دعمه وقوته الأيديولوجية لا يمكن أن يُهزم أو يموت عبر استهدافه بغارات جوية. 

 ali_alshater@yahoo.com‏ 


في الثلاثاء 04 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:23:29 ص

تجد هذا المقال في ردفان برس
http://rdfanpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://rdfanpress.com/articles.php?id=2001