|
تلقيت مكالمة هاتفية من صديق عربي استهلها بسؤاله: كيف حال اليمن الذي كان سعيداً؟.. أجبته: بل قل اليمن الذي سيكون سعيداً.. فقال: وهل ما نسمعه ونراه من أمور تعصف به، يمكن أن تجعله سعيداً كما تبشرني؟!.. قلت: نعم، فسألني: وكيف ذلك؟ قلت: بإحدى الحسنيين، إما أن تترسخ القناعة التامة عند أبنائه ـ أو معظمهم ـ أن الوقت قد حان لاتخاذ قرارهم الحازم ليجعلوا منه سعيداً، وهذا ما صرنا منه قاب قوسين أو أدنى، وإما أن يدرك أبناؤه في قيادة الأحزاب الذين يتصدرون مشهده السياسي، أن كفى شعبهم ووطنهم ما ألحقوا به من أضرار، وأنه صار من الواجب عليهم أن يكفروا عن ذلك إما بالتنحي وتسليم دفات القيادة للجيل الثالث من أحزابهم وهيئاتهم ـ من خُلقوا لزمن غير زمنهم ـ أو بالتطهر مما علق بهم وشاب مسيراتهم السياسية، وإثبات صدق النوايا تحت شعار« إلى هنا وكفى» وأن يكتفوا بما عملوا لدنياهم وكأنهم سيعيشون أبداً، وأن يعملوا بجد لآخرتهم وذكراهم عند أجيالنا القادمة وكأنهم سيموتون غداً.
أكتفي بهذا القدر من المكالمة، التي لن أسرد بقيتها لرغبتي في أن أحدثكم عما دار بخلدي بعد إقفال الهاتف، إنها خواطر تصب في بوتقة الإجابة على سؤال سألته لنفسي، ومنها: فعلاً.. إذا شاء اليمانيون فإن إرادة ومشيئة الله ستكون معهم، وفعلاً هم اليوم قريبون جداً من أجل أن يوجدوا يمناً سعيداً، فما عصف باليمن وأسال دماء خيرة أبنائه، وأفقده كوكبة من خيرة علمائه ومفكريه، إما بالاغتيالات الإرهابية أو الاغتيالات المعنوية، وما ألحق الضرر باقتصاده وأمنه، وتعليمه ووحدته الوطنية واستقراره وحقوقه وحرياته، وعدالة وتساوي فرص تعايش أبنائه، وغير ذلك من الموجعات والمحبطات، ماهي إلاّ نار كفيلة باستخراج الذهب من صخوره وبأن تكون الوقود الجبار لمسيرته.. ومنح حدّ الخنجر اليمني الشهير المقدرة على وضع الحد الفاصل بين كل ما هو شر وكل ما هو خير. وأن يقطع كل ذيل ودابر كل فساد وإفساد..إنها الشدائد، التي تخلق الأشداء ليس في ساحة الحروب والمواجهة وحدها، بل وفي ساحات البناء والتعمير وإقامة العدل والمساواة، ورفع ركائز وحوامل التحديث والتطوير، وامتلاك القرار والاعتماد على النفس.
قد يتساءل أحدهم فيقول: هل ما عصف باليمن خلال سنوات ـ بل عقود ـ وما نجم عن ذلك كفيل بأن يجعل من الشعب في اليمن اليوم، غيره بالأمس؟.
ـ هل تكفي الشدة أو الشدائد لخلق الرجال المقتدرين لأن يجعلوا من اليمن سعيداً؟.
ـ أليست العزيمة والإرادة والإصرار بحاجة إلى علم ومال ليبني الناس مجدهم وعزتهم؟.
تقول الإجابة: نعم، إذا ما جدّ جِدُ أهل اليمن، فإن العلم لا ينقصهم، كما لا تنقصهم إمكانيات حيازة ثروة الاعتماد على النفس وبناء الذات.
اليمن غني بكوادره وفنييه وعلمائه الذين أشرنا ـ سابقاًـ إلى استهدافهم باغتيالات «كواتم الصوت والإرهاب» وبالاغتيال المعنوي، من تهميش وإقصاء وعدم تكافؤ فرص، وعدم قبول بالآخر.. وكل ما سينتهي بقيام الدولة المدنية على قوائم العدل والحقوق وتساوي الواجبات .
اليمن له من الثروة ما يكفل الحياة الكريمة لأبنائه، ويجعل منه سيد قراره ويلبي احتياجاته الأساسية في البناء والتنمية والخدمات ويحقق النماء المتكامل.. وأن يجعل من مساعدة الأخ والصديق والحليف، لما هو كبير وهام على قاعدة أن لا منّ ولا ما يتبع ذلك أو يسبقه من أذى، بل أساسه الشراكة والتعاون والإخاء والصداقة.
اليمن غني ببشره وما يستطيعون الاسهام به في بناء يمن سعيد وما يدفعه 25 مليون مواطن من رسوم وضرائب، تحتاج إلى ضبطها وترشيدها، وتوجيهها بما يعود بالنفع على دافعيها، بعيداً عن الفساد وما تسربه شقوقه وقنواته.
اليمن غني بثرواته النفطية والغازية وما في جباله وصحاريه من ثروات لم تصل إليها الشركات الاستثمارية عبر الوسطاء وقنوات الباطن، وتنتظر التوجه والقرار وتحصينها من أيدي النفوذ.
اليمن غني بثروته السمكية وشواطئه المتميزة.. وبمقوماته السياحية بكل فروعها «الحضارية والتاريخية والدينية والرياضية وبقية أنواع السياحة» التي لو تم الاهتمام بها وبالثروة السمكية وأخرجتا من بين مخالب الفساد وهيمنة الأطماع لشكلتا مصدراً أساسياً يفوق غيره من مصادر الثروة.واليمن غني بتخليصه من فرض الشراكة الإجبارية مع أي استثمار خارجي، بغرض أو بذريعة الحماية من الفوضى والاختلالات التي تشجع لهذا الغرض.
وفرض الشراكة التي يشكو منها المستثمرون، وحرمت اليمن من كثير من الاستثمارات الجيدة والمفيدة.
واليمن غني بحماية منافذه المختلفة من آفة التهريب والتهرب، التي تشير إليها سلبيات كثيرة منها تلك السيارات والدراجات النارية «دراجات الموت» غير المجمركة والتي يعلن عن فتح باب جمركتها من وقت إلى آخر، وكذلك ما تكتظ به أسواق ومحلات بيع وصياغة الذهب والمجوهرات،ولا توجد لها بيانات جمركية تدل على دخولها السليم والقانوني إلى البلاد وإن بنسبة واحد في المئة، وهذا مجرد مثال. نكتفي بهذا لنقول: اليمن ليس فقيراً بل يُفقر أو يتم إفقاره بأيادي الفساد وسوء التدبير ونفوذ الجهالة وعدم استشعار المسئولية، والتي سيكون سعيداً لا محالة إذا ما تنبه كل أبنائه لما يجب عمله بعيداً عن خبائث إثارة الفتن وشق الصف.
شيء من الشعر
لله درك شعباً في مرابعه
طاف الفخارُ وصلى المجُد أزمانا
إن شبّ في العزم شيء من مشيئته
أضحى الإباءُ وقوس النصر صِنوانا
أو قال قولاً، رأيت الأرض مصغية
سمعاً، وأصبحت الأيام آذاناً
في الإثنين 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 08:13:50 ص